الحمد لله.
ظاهرة التنمر: يقصد بها الاعتداء اللفظي والجسدي المتكرر ، والذي يمارسه عادة الفتى المعتدي أو الفتاة على من هم في سنهم أو أصغر، ويعتمد المعتدي على قوته ، أو رُفْقَته ، وفي المقابل يستغل ضعف المعتدى عليه ، أو انفراده.
وهذه الظاهرة للأسف تشهد انتشارا في المدارس ، وفي الأحياء السكنية، وعادة ما تسبب ضررا جسديا ونفسيا بليغا على المعتدى عليه، وأحيانا قد يصل أثرها السيء عليه إلى أن تدفعه إلى الانتحار، إذا لم يجد من ينتبه لحاله ومعاناته اليومية.
ولحل هذه المشكلة الاجتماعية؛ لا بد بعد الاستعانة بالله تعالى من إشراك جميع الأطراف المحيطين بهذه الظاهرة؛ وعلى الأخص:
جهة عائلة المعتدي:
فعلى العائلة التي تعاني من هذه الظاهرة، أن تتواصل مع عائلة المعتدي، فيذكروهم بالله تعالى وما طالبهم به من الاعتناء بالأولاد وتجنيبهم الأخلاق السيئة.
قال الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم /6 .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
" ويجب على الإنسان أن يأمر أهله بالمعروف كزوجته، وأولاده، ونحوهم، وينهاهم عن المنكر : لقوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) الآية ، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته ) الحديث " انتهى من "أضواء البيان" (2 / 209).
ويحذروهم من عذاب الله في الآخرة بسبب إهمالهم نصح أولادهم وكف أيديهم عن الظلم؛ لأن هذا الإهمال والإقرار على الاعتداء هو من الغش في رعاية الأولاد.
عَنِ الحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ ) رواه البخاري (7150) ، ومسلم (142).
كما يحذروا من العاقبة السيئة لعدم كف عدوان أولادهم وبغيهم؛ فإن الجزاء من جنس العمل كما تدل على ذلك النصوص الشرعية وتجارب الخلق.
والواجب على جميع الآباء والأمهات أن يقووا الوازع الديني لدى أولادهم ، ويربوهم على العقيدة الصحيحة ، والأخلاق الحسنة ، كالتسامح والاحترام والأدب ومحبة الآخرين والحرص على مساعدتهم ، والتعاون .. إلخ .
جهة عائلة المعتدى عليه:
فعلى والدي الطفل أن يهتما بأمره ولا يتركوه هملا بلا رعاية، بحجة أن يتعلم حل مشاكله بنفسه ولا يكون كلَّا على غيره.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ فهو رَاعٍ عليهم وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (2554) ، ومسلم (1829).
خاصة وأن كثيرا من المعتدى عليهم من الصنف الكتوم المنغلق على نفسه، فلا يكاد يبوح بما يجول في خاطره، فعلى الوالدين أن يربطا معه علاقة تتجاوز حدود الأبوة إلى الصداقة، حتى ينبسط إليهما ويتشجع على بث خواطره ومشاكله، كما عليهما أن يزورا مدرسة ابنهم بين الحين والآخر ويستفسرا عن حاله، ومن المهم أيضا، أن يختارا له صحبة صالحة ويسمحا له باستضافتهم في البيت بين الحين والآخر ، ليمارسوا بعض اللهو المباح أو الهوايات النافعة، أو يشتركوا في حل الواجبات المدرسية، وهذا كما يزيد من انفتاح الطفل ، كذلك يوفر هذا الاتحاد بينهم ، حماية له من عدوان "المتنمرين".
وينبغي تدريب الأولاد على رياضات الدفاع عن النفس ، فإنها تعزز قوتهم البدنية والنفسية ، وتزيد من ثقتهم بأنفسهم ، وتبعد عنهم الأولاد المتنمرين ، مع التأكيد الدائم على الأولاد أن الهدف من هذه الرياضة ليس هو ممارسة العنف والاعتداء على الآخرين ، وإنما هو لتحسين صحة الجسم وتقويته ، مع الدفاع عن النفس إن اقتضت الضرورة ذلك .
كما ينبغي التواصل مع أئمة المساجد والخطباء ، والقنوات الفضائية وتنبيههم على أهمية طرق هذا الموضوع ، والتحذير من الاعتداء على الناس بالقول أو بالفعل ، واستحقاق من فعل ذلك العقاب في الأخرة ، مع العقوبات الدنيوية أيضا .. ونحو ذلك .
جهة أولياء أمور باقي الأطفال المشاركين لهم في الدراسة أو الحي:
فيحسن التواصل بهم وتنبيههم إلى خطورة المشكلة، ونصحهم بأن يتعاونوا على تربية هؤلاء الأطفال على نصرة المظلوم وكف يد الظالم، وألا يكتفوا بدور المتفرج والمستمتع بما يحدث، فهذا خلق يأباه الإسلام.
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا.
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ) رواه البخاري (6952).
وعن البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ( أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ: عِيَادَةَ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ العَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلاَمِ، وَنَصْرَ المَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ المُقْسِمِ ) رواه البخاري (2445) ، ومسلم (2066).
كما يحسن التواصل مع إدارة المدرسة ، والتباحث معها في إيجاد أفكار وحلول تزيل هذه المشكلة أو تخفف من أثرها.
والله أعلم.
تعليق