الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

أثر لا يصح عن عمر ، في أن السيئة تتبعها عشر خصال مذمومة.

287769

تاريخ النشر : 22-11-2018

المشاهدات : 10873

السؤال

ما صحة الأثر التالي : ذكر ابن الجوزي فوائد من " بحر الدموع" " يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا يغرّنّكم قول الله عز وجل: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) الأنعام /160، فإن السيئة وإن كانت واحدة ، فإنها تتبعها عشر خصال مذمومة : أولها: إذا أذنب العبد ذنبا، فقد أسخط الله وهو قادر عليه ، والثانية: أنه فرّح إبليس لعنه الله ، والثالثة: أنه تباعد من الجنة ، والرابعة: أنه تقرّب من النار ، والخامسة: أنه قد آذى أحب الأشياء إليه ، وهي نفسه ، والسادسة: أنه نجس نفسه وقد كان طاهراً ، والسابعة: أنه قد آذى الحفظة ، والثامنة: أنه قد أحزن النبي صلى الله عليه وسلم في قبره . والتاسعة: أنه أشهد على نفسه السماوات والأرض وجميع المخلوقات بالعصيان ، والعاشرة: أنه خان جميع الآدميين ، وعصى رب العالمين" ؟

ملخص الجواب

هذا أثر باطل لا أصل له ، وفيه ركاكة وفساد في المعنى .

الجواب

الحمد لله.

هذا الأثر ذكره ابن الجوزي رحمه الله في كتابه "بحر الدموع" (ص: 20)، فقال :

" يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: " لا يغرّنّكم قول الله عز وجل: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ) الأنعام/ 160، فإن السيئة وإن كانت واحدة، فإنها تتبعها عشر خصال مذمومة ... ) ثم ذكرها .

ولا نعلم أحدا ذكر هذا الأثر غير ابن الجوزي في هذا الكتاب ، وتصديره إياه بصيغة التمريض : " يُروى " يشير إلى عدم ثبوته عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وركاكته تدل على عدم صحته ، وعدم روايته في كتب السنة والأثر تدل على أنه لا أصل له .

وقوله في تعداد هذه الخصال :

" إذا أذنب العبد ذنبا، فقد أسخط الله " لا يصح هكذا بإطلاقه ؛ لأنه قد يوفق من بعد الذنب إلى التوبة ، فيرضى الله عنه، ويبدله بعد السخط رحمة ورضوانا .

ويخشى أن يكون في مثل هذا الكلام من التقنيط ، والتأييس من التوبة ، فوق ما فيه من العظة والعبرة ، والزجر عن المعصية .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" الذَّنْبُ الَّذِي يَضُرُّ صَاحِبَهُ : هُوَ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَوْبَةٌ ، فَأَمَّا مَا حَصَلَ مِنْهُ تَوْبَةٌ فَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ التَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ ؛ فَإِنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ هُمْ خِيَارُ الْخَلِيقَةِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا صَارُوا كَذَلِكَ بِتَوْبَتِهِمْ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالذُّنُوبِ ، وَلَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ التَّوْبَةِ نَقْصًا وَلَا عَيْبًا " .

انتهى من"مجموع الفتاوى" (15 /54) .

وكذا قوله :

" أنه قد أحزن النبي صلى الله عليه وسلم في قبره " : فهذا مما لا دليل عليه .

وعلى كل ؛ فالأثر برمته لا يصح عن عمر رضي الله عنه ، ومعانيه : ليست محكمة ، تشهد لها أصول الشرع ، وألفاظه ركيكة ، بعيدة عن باب الرواية والخبر الثابت عن أمير المؤمنين عمر ، رضي الله عنه .

قال ابن القيم رحمه الله :

" والأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى من"المنار المنيف" (ص 50) .

ثم ذكر جملة من الأمور الكلية التي يعرف بها كون الحديث موضوعا ، ومنها : " ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها بحيث يمجها السمع ويدفعها الطبع ويسمج معناها للفطن " انتهى من "المنار المنيف" (ص 99) .

ولعل مما يغني عن تكلف ذلك ، ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 201) بسند صحيح عن عروة بن الزبير قال :

" إِذَا رَأَيْتُ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ ، فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أُخْتِهَا ، وَإِذَا رَأَيْتَهُ يَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ ، فَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أُخْتِهَا " .

ولكن لا يلزم من هذا: أن من عمل سيئة أصابته كل هذه البلايا التي ذكرت في الأثر المذكور.

والله تعالى أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب