الحمد لله.
رؤية الملائكة في المنام لغير الأنبياء : جائزة من حيث الأصل .
حيث ثبت في "صحيح البخاري" (1121) ، و"صحيح مسلم" (2479) ، من حديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا رَأَى رُؤْيَا ، قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ ، قَالَ فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ " ، قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ، بَعْدَ ذَلِكَ، لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا ).
وفي قوله :" فرأيت ملكين أخذاني " ، وكذا قوله :" فلقيهما ملك .." ، دليل على جواز رؤية الملائكة في المنام لغير الأنبياء.
قال العيني في "عمدة القاري" (7/170) :" وَفِيه رُؤْيَة الْمَلَائِكَة فِي الْمَنَام وتحذيرهم للرائي لقَوْله : فَرَأَيْت ملكَيْنِ أخذاني " انتهى .
واستدل أهل العلم على كونهما ملكين بعدة أمور ، إما لأنهما ذكَّراه بالخير والشيطان لا يفعل ذلك ، أو أن الملكين أخبراه بذلك ، أو بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/547) :" استدل بوعظهما وتذكيرهما : أنهما ملكان " انتهى .
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (12/418) :" وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا أَخْبَرَاهُ بِأَنَّهُمَا مَلَكَانِ ، أَوِ اعْتَمَدَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَصَّتْهُ عَلَيْهِ " انتهى .
وقال البغوي في "شرح السنة" (12/228) :" وَرُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ حَقٌّ ، وَلا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ ، وَالْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ " انتهى ؟
إلا أنه ينبغي أن يعلم أنه لا يمكن الجزم بأن ما رآه الإنسان في المنام هو الملك بعينه ، أو أنه يمكن تعيينه أنه جبريل أو ميكائيل أو ملك الموت ، على صفته وحقيقته ؛ بل ما رآه : فهو على خلاف حقيقتهم في الواقع قطعا ، لأن هذه الملائكة الكرام لا يمكن معرفة صورتها على الحقيقة إلا عن طريق الوحي ، والوحي قد انقطع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية" (1/327) :" بل نفس الجن والملائكة ، لا يتصورها الإنسان ، ويتخيلها على حقيقتها ، بل هي على خلاف ما يتخيله ، ويتصوره في منامه ويقظته " انتهى .
وعلى هذا نقول: إنه يجوز أن يرى الإنسان ملكا في الرؤيا ، إلا أنه لا يمكن القطع والجزم أن هذه الذي رآه هو ملك معين ، كملك الموت ونحوه ، ولعل ذلك بشارة أو نذارة لهذا العبد الرائي أو لغيره .
والله أعلم.
تعليق