الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

الرجل يزني ببعض محارمه؛ فما حكم الولد الناتج عن ذلك؟

288229

تاريخ النشر : 18-11-2019

المشاهدات : 36069

السؤال

ما هي الأحكام التي تترتب على ابن زنا المحارم ، من نسب وما يتعلق بالمواريث ؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

لا ريب أن جريمة الزنا مع المحارم من أشنع الزنا وأشدّه قبحا؛ وهو غاية في شذوذ الخلق وفساد الفطر.

ولذلك كانت عقوبة من فعل ذلك القتل ، سواء كان محصنا أم بكرا ، كما دلت على ذلك السنة ، وينظر جواب السؤال رقم : (12707) .

ثانيا :

أما حكم الولد الناتج عن هذه العلاقة المحرمة ، فله حالتان:

الحالة الأولى:

أن تكون المرأة المزني بها ذات زوج ، فالولد ينسب لزوجها، إلا إذا نفاه الزوج عنه باللعان .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ!

قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ.

فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ ، فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْنُ أَخِي ، كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ .

ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ - زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:   احْتَجِبِي مِنْهُ يا سَودةُ   ؛ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ " .

رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( الولد للفراش ) : فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة ، أو مملوكة صارت فراشا له ، فأتت بولد لمدة الإمكان منه : لحقه الولد ، وصار ولدا يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة ، سواء كان موافقا له في الشبه ، أم مخالفا .

ومدة إمكان كونه منه ستة أشهر من حين اجتماعهما " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (10 / 37).

وقال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى:

" وهو أثبت ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد العدول وأصحها .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش، وللعاهر الحجر ) : وهو ما تلقته الأمة بالقبول ...

فكانت دعوى سعد ، سبب البيان من الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: في أن العاهر لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا، وأن الولد للفراش على كل حال.

والفراش النكاح ، أو ملك اليمين لا غير...

قال أبو عمر: أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - أنه لا يُلحق بأحد ولد يستلحقه ، إلا من نكاح أو ملك يمين، فإذا كان نكاح أو ملك، فالولد لاحق بصاحب الفراش على كل حال.

والفراش في الحرة : عقد النكاح عليها ، مع إمكان الوطء عند الأكثر...

فلا ينتفى ولد الحرة ، اذا جاءت به لستة أشهر من يوم عقد النكاح ، إلا بلعان، وهذه الجملة كلها من حكم الله ورسوله مما نقلته الكافة، ولم يختلفوا فيه إلا فيما وصفت " انتهى من"الإستذكار" (22 / 166 - 169).

وراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (101771).

الحالة الثانية:

أن تكون المرأة المزني بها، ليست ذات زوج، فالذي عليه جماهير أهل العلم ، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم: أن الولد لا ينسب إلى الزاني بحال ، وإنما ينسب لأمه فقط ، ويجري بينها وبينه التوارث .

قال ابن رشد رحمه الله تعالى:

" واتفق الجمهور على أن أولاد الزنا لا يلحقون بآبائهم ، إلا في الجاهلية ، على ما روي عن عمر بن الخطاب على اختلاف في ذلك بين الصحابة، وشذ قوم فقالوا: يلتحق ولد الزنا في الإسلام -أعني: الذي كان عن زنا في الإسلام- " انتهى من "بداية المجتهد" (4 / 217).

واستدلوا بمفهوم الحديث السابق: ( الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ ).

قال أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ) قد اقتضى معنيين؛ أحدهما: إثبات النسب لصاحب الفراش. والثاني: أن من لا فراش له فلا نسب له ، لأن قوله: (الوَلَدُ ) اسم للجنس، وكذلك قوله: ( لِلْفِرَاشِ ) للجنس لدخول الألف واللام عليه، فلم يبق ولد إلا وهو مراد بهذا الخبر؛ فكأنه قال: لا ولد إلا للفراش " انتهى من "أحكام القرآن" (5 / 160).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" وأما الولد الذي يحصل من الزنا يكون ولداً لأمه وليس ولداً لأبيه ، لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ )، العاهر: الزاني، يعني ليس له ولد ، هذا معنى الحديث، ولو تزوجها بعد التوبة ، فإن الولد المخلوق من الماء الأول لا يكون ولداً له ، ولا يرث من هذا الذي حصل منه الزنا، ولو ادعى أنه ابنه ، ليس ولداً شرعياً " انتهى من "فتاوى إسلامية الشيخ" (3 / 370).

ونقل عن الحسن وابن سيرين وعروة والنخعي وإسحاق وسليمان بن يسار ، أنه ينسب إليه .

واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (33591) ، وينظر أيضا : جواب السؤال رقم : (192131) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب