الحمد لله.
أولا :
أما البيع خارج السوق (على بابه) فهو جائز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه أحدًا أن يبيع سلعته حيث شاء ، وإنما ورد النهي للمشتري أن يتلقى البائع خارج السوق .
وعلى هذا ؛ فلا حرج في البيع خارج السوق .
ثانيا :
أما الشراء خارج السوق، فقد روى البخاري (2165) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لاَ تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ).
وروى البخاري (2166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ : (كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِى مِنْهُمُ الطَّعَامَ ، فَنَهَانَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ) .
وروى مسلم (3898) عن أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (لاَ تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ) .
والذي يظهر أن الصورة المذكورة في السؤال لا تدخل في هذا النهي ، وذلك لما يلي :
1-أنه إذا اعتاد الناس البيع والشراء في هذا المكان (على باب السوق) فقد صار هذا المكان من السوق عرفًا ، وإن لم يكن من السوق الذي هو البناء .
وقد جاء في "لسان العرب" (3/2154) : "السوق : موضع البياعات" انتهى .
ومعنى ذلك : أن السوق هو المكان الذي تباع فيه السلع ، فكل مكان اعتاد الناس الجلوس فيه للبيع فهو سوق .
2-على فرض أن هذا المكان ليس من السوق- وليس الأمر كذلك – فإن هذه الصورة لا تدخل في النهي أيضًا ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل هذا النهي بأنه يخشى من ذلك خديعة البائع ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ) .
فأثبت الخيار للبائع لأنه قد يكون خُدع في هذا البيع ، بسبب عدم معرفته بثمن السلعة الذي تباع به في السوق ، وهذه العلة غير موجودة في الصورة الواردة في السؤال ، لأن الغالب أن البائع يعلم سعر السوق ، فلا يمكن خديعته .
قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" (3/ 109): "وأما النهي عن تلقي السلع قبل ورودها السوق فالمعنى في ذلك كراهة الغبن، ويشبه أن يكون قد تقدم من عادة أولئك أن يتلقوا الركبان قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا سعر السوق، فيخبروهم أن السعر ساقطة والسوق كاسدة والرغبة قليلة حتى يخدعوهم عما في أيديهم ويبتاعوه منهم بالوكس من الثمن، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك وجعل للبائع الخيار إذا قدم السوق فوجد الأمر بخلاف ما قالوه" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ : إنَّمَا نُهِيَ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ لِمَا يَفُوتُ بِهِ مِنْ الرِّفْقُ لِأَهْلِ السُّوقِ ، لِئَلَّا يُقْطَعَ عَنْهُمْ مَا لَهُ جَلَسُوا مِنْ ابْتِغَاءِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى...، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَدْلُولِ الْحَدِيثِ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ إذَا دَخَلَ السُّوقَ ، وهذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ لِحَقِّهِ ، لَا لِحَقِّ غَيْرِهِ .
وَلِأَنَّ الْجَالِسَ فِي السُّوقِ كَالْمُتَلَقِّي فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبْتَغٍ لِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ فَسْخُ عَقْدِ أَحَدِهِمَا ، وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مِثْلِهِ ، وَلَيْسَ رِعَايَةُ حَقِّ الْجَالِسِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ الْمُتَلَقِّي" انتهى ، "المغني" (6/314) .
3-أن البائع إذا كان يريد بيع سلعته على باب السوق ، ولا يريد أن يدخل بها السوق ، فلا يقال لمن اشترى منه في هذا المكان : إنه تلقاه قبل أن يدخل السوق ، لأن البائع هو الذي انتهى إلى هذا المكان ، ولم يدخل بناء السوق .
فالحاصل ؛ أنه لا حرج من البيع والشراء على باب السوق ، وأن ذلك لا يدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان .
والله أعلم .
تعليق