الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل تصح صلاته إذا أطال بعض الأركان أو بقي فيها ساكتا زمنا ؟

290139

تاريخ النشر : 25-06-2018

المشاهدات : 31898

السؤال

هل تجب الموالاة بين أركان وواجبات وسنن الصلاة ؟ بمعنى أنه هل يجوز مثلا : قراءة الفاتحة ثم التأخر لأمر ما عمدا أو سهوا ، ثم قول آمين ، ثم التأخر كذلك قبل قراءة السورة ، وهكذا قبل الركوع وبعده إلى آخره ؟

ملخص الجواب

أن الموالاة في أعمال الصلاة تتحقق بأن يعقب كل عمل من أعمالها ما شرع قبله ، ولو كان الذي قبله طويلا ، ما دام منضبطا بما ورد الشرع به . فإن فصل بين الركنين بسكوت ، ولم يأت فيه بشيء من الذكر المشروع ، خالف السنة في ذلك؛ لكن مجرد الفصل ، لا تبطل به الصلاة ، ما لم ينو قطعها . وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان إذا طوّل القراءة طوّل غيرها من الأركان حتى تكون صلاته قريبا من السواء تطويلا وتخفيفا .

الجواب

الحمد لله.

أولا :

تأخير التأمين عن الفاتحة، أو البقاء واقفا بعد القراءة زمنا قبل الركوع، وكذلك إطالة ركن الركوع أو السجود أو غيره من الأركان لا تبطل الصلاة به لا سهوا ولا عمدا ما دام أنه لم ينو بتطويله قطع الصلاة ، وقد نص على ذلك أهل العلم رحمهم الله .

قال النووي : "ولا تبطل بالذكر والدعاء إلا أن يخاطِب ، كقوله لعطاس : يرحمك الله .

ولو سكت طويلا بلا غرض : لم تبطل ؛ في الأصح" انتهى من "منهاج الطالبين" ص(23) .

وقال في "أسنى المطالب" (1/188) :

"وَتَعَمُّدُ طُولِ السُّكُوتِ لَا يَضُرُّ ، فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ" انتهى .

وينظر "المغني لابن قدامة" (1/102).

لكن يُبطل الصلاةَ تفريقُ آيات الفاتحة ؛ بأن يطيل السكوت بين آيتين ، إطالة مشعرة بقطع القراءة .

وأما التأمين فليس من الفاتحة ، ولا هو من الواجبات ؛ بل هو سنة من سنن الصلاة .

وينظر جواب السؤال : (223178) ، (223841) .      

ثانيا :

استثنى الشافعية ، في معتمد المذهب ، مما سبق تطويل الرفع من الركوع ، وكذا الجلسة بين السجدتين ؛ فقالوا بإبطال الصلاة بتطويلهما ، محتجين بأنهما شرعا للفصل بين الأركان ، فكان تطويلهما مفرّقا للصلاة .

قال في "تحفة المحتاج" (2/77) :

"(وَ) يَجِبُ (أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ ، وَلَا الِاعْتِدَالُ) ؛ لِأَنَّهُمَا شَرْعًا لِلْفَصْلِ ، لَا لِذَاتَيْهِمَا ، فَكَانَا قَصِيرَيْنِ ، فَإِنْ طَوَّلَ أَحَدَهُمَا فَوْقَ ذِكْرِهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ قَدَرَ الْفَاتِحَةِ فِي الِاعْتِدَالِ ، وَأَقَلَّ التَّشَهُّدِ فِي الْجُلُوسِ ، عَامِدًا ، عَالِمًا ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ" انتهى .

وانظر : "المجموع شرح المهذب" (4/126) .

والصواب ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من أن الصلاة لا تبطل بتطويل الرفع من الركوع ، ولا الجلوس بين السجدتين . وقد دلت على ذلك السنة الصحيحة .

فقد ثبت في الصحيحين عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ، ثُمَّ يَسْجُدُ ، وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ" رواه مسلم (473) .

وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا أَنَّ أَنَسًا قَالَ: " إنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا ، فَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ انْتَصَبَ قَائِمًا حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: قَدْ نَسِيَ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ مَكَثَ حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ قَدْ نَسِيَ" رواه البخاري (821) ، ومسلم (472).

قال النووي رحمه الله :

"وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ ، فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ، ثُمَّ مضى ، فقلت : يصلي بها في ركعة، فمضى ، فقلت : يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا ، إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ ، وَإِذَا مر بآية فيها سؤال سأل ، وإذ مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ، فَكَانَ سُجُودُهُ قريبا من قيامه " هذا لفظ رواية مسلم .

وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ إطَالَةِ الِاعْتِدَالِ بِالذِّكْرِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ صَعْبٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ الْإِطَالَةَ . فَالْأَقْوَى : جَوَازُهَا بِالذِّكْرِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" انتهى من "المجموع" (4/127) .

وقال الشوكاني في شرحه لحديث أنس السابق :

" وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، مُحْتَجًّا بِأَنَّ طُولَهُمَا يَنْفِي الْمُوَالَاةَ، وَمَا أَدْرِي مَا يَكُونُ جَوَابُهُ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ، وَعَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الْآتِي بَعْدَهُ. وَعَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: "أَنَّ كَانَ رُكُوعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ" ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: "وَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ" الْحَدِيثَ ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ".

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ طَوِيلٌ ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ ، بَلْ هُوَ نَصٌّ فِيهِ .

فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِدَلِيلٍ ضَعِيفٍ ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ : لَمْ يُسَنَّ فِيهِ تَكْرِيرُ التَّسْبِيحَاتِ ، كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

وَوَجْهُ ضَعْفِهِ : أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ ؛ فَهُوَ فَاسِدٌ انْتَهَى.

عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ أَذْكَارٍ فِي الِاعْتِدَالِ أَكْثَرَ مِنْ التَّسْبِيحِ الْمَشْرُوعِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَسَيَأْتِي.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ طُولَهُمَا يَنْفِي الْمُوَالَاةَ ، فَبَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُوَالَاةِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ فَصْلٌ طَوِيلٌ بَيْنَ الْأَرْكَانِ ، مِمَّا لَيْسَ فِيهَا ؛ وَمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لَا يَصِحُّ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْهَا" .

انتهى من "نيل الأوطار" (2/304) .

وقال ابن حجر :

" وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إِلَى عَدَمِ الْبُطْلَانِ، فَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ : (كَيْفَ الْقِيَامُ مِنَ الرُّكُوعِ؟ ) : وَلَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ بِذِكْرِ اللَّهِ ، أَوْ يَدْعُو ، أَوْ سَاهِيًا ، وَهُوَ لَا يَنْوِي بِهِ الْقُنُوتَ : كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَا إِعَادَةَ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ .

فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُصَحِّحُ مَعَ هَذَا : بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِتَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ .

وَتَوْجِيهُهُمْ ذَلِكَ : أَنَّهُ إِذَا أُطِيلَ انْتَفَتِ الْمُوَالَاةُ ؛ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ مَعْنَى الْمُوَالَاةِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ فَصْلٌ طَوِيلٌ بَيْنَ الْأَرْكَانِ ، بِمَا لَيْسَ مِنْهَا ، وَمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لَا يَصِحُّ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ" انتهى من "فتح الباري" (2/289).

والخلاصة :

أن الموالاة في أعمال الصلاة تتحقق بأن يعقب كل عمل من أعمالها ما شرع قبله ، ولو كان الذي قبله طويلا ، ما دام منضبطا بما ورد الشرع به .

فإن فصل بين الركنين بسكوت ، ولم يأت فيه بشيء من الذكر المشروع ، خالف السنة في ذلك؛ لكن مجرد الفصل ، لا تبطل به الصلاة ، ما لم ينو قطعها .

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان إذا طوّل القراءة طوّل غيرها من الأركان حتى تكون صلاته قريبا من السواء تطويلا وتخفيفا .

وينظر جواب السؤال : (111889) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب