الأربعاء 3 جمادى الآخرة 1446 - 4 ديسمبر 2024
العربية

حكم غسل الثياب المسبلة

290455

تاريخ النشر : 01-10-2018

المشاهدات : 6618

السؤال

اختلفنا أنا وزوجي حول حكم الإسبال ، فأنا أميل إلى القول بالتحريم مطلقاً سواء كان بخيلاء أو بغير خيلاء ، وهو يميل إلى القول بالتحريم بقصد الخيلاء فقط ، وهو لا يفعل ذلك خيلاء . سؤالي : هل عليّ من إثم عندما أغسل له ثيابه المسبلة ؟ وهل آثم بغسل الملابس الداخلية التي يلبسها تحت هذه الثياب ؟ باعتبارها وسيلة للبس الثياب ؟ وماذا أفعل إن أجبرني على ذلك وأصبحت مشكلة بيني وبينه ، فهو يغضب كلما حدثته عن ذلك ويقول : إن على الزوجة طاعة زوجها ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الإسبال في الثوب منهي عنه ، فإن كان لخيلاء فهو حرام باتفاق العلماء ، وهو كبيرة من الكبائر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ) البخاري (5783) ، ، ومسلم (2085).

ولما روى الترمذي (1731) ، والنسائي (5336) ، وأبو داود (4117) ، وابن ماجه (3580) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ   فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ قَالَ :  يُرْخِينَ شِبْرًا   فَقَالَتْ :   إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ  قَالَ :   فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْهِ   . والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" .

قال ابن حجر المكي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/259) : " الكبيرة التاسعة بعد المائة : طول الإزار أو الثوب أو الكم أو العذبة خيلاء " انتهى .

وإن كان الإسبال لغير الخيلاء ، ففيه خلاف ، والجمهور من المذاهب الأربعة على أنه مكروه.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه محرم.

قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: الخيلاء ، بالمد ، والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر : كلها بمعنى واحد، وهو حرام.

ويقال: خال الرجل خالا، واختال اختيالا، إذا تكبر، وهو رجل خال أي متكبر، وصاحب خال أى صاحب كبر.

ومعنى (لا ينظر الله إليه) : أي لا يرحمه ، ولا ينظر إليه نظر رحمة .

وأما فقه الأحاديث : فقد سبق في كتاب الإيمان واضحا بفروعه، وذكرنا هناك الحديث الصحيح أن الإسبال يكون في الإزار والقميص والعمامة ، وأنه لايجوز إسباله تحت الكعبين إن كان للخيلاء ، فإن كان لغيرها فهو مكروه.

وظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء : تدل على أن التحريم مخصوص بالخيلاء.

وهكذا نص الشافعى على الفرق كما ذكرنا...

وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار، فالمراد بها ما كان للخيلاء؛ لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد والله أعلم.

قال القاضي: قال العلماء: وبالجملة يكره كل مازاد على الحاجة والمعتاد في اللباس ، من الطول والسعة والله أعلم" انتهى من "شرح مسلم" (14/ 60- 63).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ويكره إسبال القميص، ونحوه إسبال الرداء وإسبال السراويل والإزار ونحوها ، إذا كان على وجه الخيلاء.

وأطلق جماعة من أصحابنا لفظ الكراهة ، وصرح غير واحد منهم بأن ذلك حرام ، وهذا هو المذهب بلا تردد .

قال أبو عبد الله : لم أحدث عن فلان ، كان سراويله إلى شراك نعله ، وقال: ما أسفل من الكعبين في النار، والسراويل بمنزلة الإزار، لا يجر شيئا من ثيابه.

فأما إن كان على غير وجه الخيلاء ، بل كان على علة أو حاجة ، أو لم يقصد الخيلاء والتزين بطول الثوب ولا غير ذلك :

فعنه [أي: عن الإمام أحمد] : أنه لا بأس به ، وهو اختيار القاضي وغيره.

وقال في رواية حنبل: جر الإزار وإرسال الرداء في الصلاة ، إذا لم يرد الخيلاء: لا بأس به.

ومن أصحابنا من قال: لا يحرم إذا لم يقصد به الخيلاء، لكن يكره .

وربما يستدل بمفهوم كلام أحمد في رواية ابن الحكم، في جر القميص والإزار والرداء سواء، إذا جره لموضع الحسن ليتزين به فهو الخيلاء، وأما أن كان من قبح في الساقين كما صنع ابن مسعود، أو علة ، أو شيء لم يتعمده الرجل : فليس عليه من جر ثوبه خيلاء. فنفى عنه الجر خيلاء فقط".

إلى أن قال: " وهذه نصوص صريحة في تحريم الإسبال على وجه المخيلة، والمطلق منها محمول على المقيد، وإنما أطلق ذلك لأن الغالب أن ذلك إنما يكون مخيلة...

وعن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلا قد أسبل إزاره فقال له: "ارفع" .

فقال له الرجل : وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك.

فقال عبد الله: إني لست مثلك ، إن لساقي حموشة وأنا أؤم الناس .

فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ، فأقبل على الرجل ضربا بالدرة وقال: أترد على ابن مسعود؟ أترد على ابن مسعود ؟

ولأن الأحاديث أكثرها مقيدة بالخيلاء ، فيحمل المطلق عليه ، وما سوى ذلك فهو باق على الإباحة ، وأحاديث النهي مبنية على الغالب والمظنة ، وإنما كلامنا فيمن يتفق منه عدم ذلك" انتهى من "شرح عمدة الفقه -الصلاة " ص362- 366

وممن ذهب إلى تحريم الإسبال لغير الخيلاء: ابن العربي، والذهبي، وجمع من المعاصرين.

وينظر: "عارضة الأحوذي" (7/238)، "سير أعلام النبلاء" (3/ 243).

وينظر: جواب السؤال رقم : (102260) .

ثانيا:

هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، والخلاف فيها سائغ، ولا حرج على من قلد فيها أحد القولين، فلا ينبغي لك الإنكار على زوجك، ولا الامتناع عن غسل ثيابه، ما دمت تعلمين أنه ليس من أهل الخيلاء.

وأما من عرف عنه الخيلاء ، وجر ثوبه لذلك : فإنه لا تجوز إعانته على ذلك بغسل ثيابه أو كيها؛ لقوله تعالى:  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  المائدة/2 .

والنصيحة لزوجك أن يحرص على السنة، وأن يخرج من الخلاف، فيقصر ثيابه عن الكعبين، ولا شك أن تقصير الثياب مستحب اتفاقا ؛ لكن كما قلنا لك : هذه مسألة اجتهاد ، فلا تجعليها سببا في الشقاق بينك وبين زوجك ، ولا لتنغيص العيش بينكما ، ما دام يعتقد ذلك ، ولا يفعل معصية.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب