الحمد لله.
أولا:
ورد أن عمر لما تولى القضاء في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما مكث سنة لا يقضي بين اثنين، ولكن لا يصح سنده:
فرواه البيهقي (20156) ومحمد بن خلف وكيع في "أخبار القضاة" (1/ 104) عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ: " لَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَلَّى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا الْقَضَاءَ ، وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْمَالَ ، وَقَالَ: أَعَينُونِي ، فَمَكَثَ عُمَرُ سَنَةً لَا يَأْتِيهِ اثْنَانِ ، أَوْ لَا يَقْضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ "
وهذا مرسل، محارب بن دثار لم يدرك أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، توفي محارب سنة ست عشرة ومائة.
"التقريب" (ص 521)
واستشهد عمر في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.
"التقريب" (ص 412).
ولذلك قال الذهبي عن هذه الرواية : " قلت : منقطع السند " انتهى ، من "المهذب في اختصار السنن الكبرى" ، رقم : (15455) .
ورواه الطبري في "تاريخه" (3/ 426) عَنْ مِسْعَرٍ: " لَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَا أكْفِيكَ الْمَالَ- يَعْنِي الْجَزَاءَ- وَقَالَ عُمَرُ: أَنَا أكْفِيكَ الْقَضَاءَ: فَمَكَثَ عُمَرُ سَنَةً لا يَأْتِيهِ رَجُلانِ ".
ومسعر يروي عن محارب بن دثار.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ بعض شيوخه : " جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ قَاضِيًا فِي خِلافَتِهِ، فَمَكَثَ سَنَةً لَمْ يُخَاصَمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ ".
ورواه ابن سعد في "الطبقات" (3/ 137) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (30/ 321) والبلاذري في "أنساب الأشراف" (10/ 69) عن عَطَاء بْن السَّائِبِ ، عن عُمَر رضي الله عنه قال: " لَقَدْ كَانَ يَأْتِي عَلَيَّ الشَّهْرُ مَا يَخْتَصِمُ إِلَيَّ فِيهِ اثْنَانِ ".
وعطاء بن السائب اختلط، ولم يدرك عمر رضي الله عنه، توفي عطاء سنة 136 .
انظر: "التهذيب" (7 / 203 /207) .
فهذه مرسلات لا يصح منها شيء، فالخبر ضعيف، ولا يعتضد بتعدد هذه الطرق لإمكان كونها عن مصدر واحد ضعيف أو مجهول.
وينظر : "دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر" ، عبد السلام بن محمد آل عيسى (1/528) .
ثانيا:
هذه القصة المذكورة في السؤال بهذا التمام لا نعلم لها أصلا، والمسلمون بكل حال لا بد لهم من قاض، ولا يخلو المجتمع المسلم من حصول خصومات ونزاعات فيه ، وهذا كان يحدث زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ففصل بين أصحابه رضي الله عنهم ، في أقضية كثيرة .
فما ذكر في القصة من كون عمر استعفى أبا بكر رضي الله عنهما من القضاء ، لأنه لا حاجة للمسلمين في هذا الزمان إلى قاض يقضي بين الناس : غير صحيح .
والله تعالى أعلم.
تعليق