الحمد لله.
أولا :
من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر ، فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب ، وعرض نفسه لسخط الله وعقابه ، ويلزمه التوبة الصادقة النصوح .
ويلزمه قضاء اليوم الذي أفطره فقط ، إن كان فطره بغير الجماع ، وهو قول عامة أهل العلم ، وحكى بعضهم الإجماع عليه .
ينظر لمزيد من التفصيل جواب السؤال رقم : (234125) .
ثانيا :
أما القول بأنه : ( يقضي عنه 60 يومًا متصلاً ) فلعل مراد القائل : وجوب الكفارة عليه ، وهي صيام شهرين متتابعين !
فإن كان كذلك ؛ فقد اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان بغير الجماع على أقوال :
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه : لا تجب على من أفطر في رمضان بغير الجماع كفارة ولا فدية ، وإنما عليه قضاء اليوم الذي أفطر فيه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ ) أخرجه الترمذي (720)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ولأن الأصل عدم الكفارة أو الفدية إلا فيما ورد به الشرع .
ولأنه أفطر بغير جماع فلم تجب الكفارة ، ولا يصح قياسه على الجماع ؛ لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس ، والحكم في التعدي به آكد .
وإلى هذا ذهب سعيد بن جبير وابن سيرين والنخعي وحماد بن أبي سليمان وداود .
وذهب الحنفية إلى أنه : تجب عليه الكفارة إذا أفطر بإيصال ما يقصد به التغذي أو التداوي إلى جوفه عن طريق الفم ؛ لأن به يحصل قضاء شهوة البطن ، كما يحصل بالجماع قضاء شهوة الفرج .
قال ابن قدامة : " حكي عن عطاء ، والحسن والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق : أن الفطر بالأكل والشرب ، يوجب ما يوجبه الجماع" .
أما ما لا يقصد به التغذي أو التداوي ، كبلع الحصاة أو التراب أو النواة ونحوها : فلا تجب فيه الكفارة عند الحنفية . وكذا إن باشر دون الفرج ، فأنزل ، أو استمنى.
وذهب المالكية إلى وجوب الكفارة عليه بشروط منها : أن يفطر متعمدا ، وأن يكون مختارًا ، وأن يأكل أو يشرب عن طريق الفم ، وأن يكون الإفطار في رمضان الحاضر ، وأن يكون عالمًا بحرمة الموجب الذي فعله ، وإن جهل وجوب الكفارة به .
والكفارة الواجبة في هذا عند المالكية: مثل الكفارة الواجبة بالجماع ؛ لأنه إفطار في رمضان فأشبه الجماع ، حيث إن كلا منهما هتك حرمة الصيام في نهار رمضان بمعصية.
ينظر : "الاختيار لتعليل المختار" (1/131)، و"القوانين الفقهية" (ص83)، و"روضة الطالبين" (2/377)، و"كشاف القناع" (2/324)، و"الموسوعة الفقهية الكويتية" (32/ 71).
والقول الراجح :
هو عدم وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان بغير الجماع ؛ لأن الأصل عدم الكفارة أو الفدية إلا فيما ورد به الشرع ؛ ولم يرد في الشرع وجوب الكفارة إلا بالجماع ، ولا يصح قياس الأكل والشرب على الجماع .
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في شأن من استقاء عمدًا أن عليه القضاء فقط ، ولم يذكر كفارة ، فقال : ( مَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ ) أخرجه الترمذي (720)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والقول بعدم وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان بغير الجماع ، هو اختيار اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين – رحمهما الله - .
ففي "فتاوى اللجنة الدائمة" ( 9 / 221 ) : إن كان الإفطار في رمضان بغير الجماع : فليس فيه كفارة على الصحيح ، وإنما الواجب التوبة وقضاء ذلك اليوم الذي حصل فيه الإفطار..." انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- : " إذا كان الإفطار بغير الجماع ، بل بالماء أو بالأكل ونحو ذلك ، فليس عليه كفارة ، بل عليه القضاء " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (16/ 331).
وسئل الشيخ ابن عثيمين : إذا استمنى الصائم فهل تجب عليه الكفارة ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا استمنى الصائم، فأنزل : أفطر ، ووجب عليه قضاء اليوم الذي استمنى فيه ، وليس عليه كفارة ، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (19/ 233).
والحاصل :
أن من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر ؛ فقد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب ، ويلزمه التوبة النصوح .
فإن كان فطره بغير الجماع ؛ فليس عليه إلا قضاء اليوم الذي أفطره فقط ، وليس عليه كفارة ولا فدية .
والله أعلم.
تعليق