الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

بدعة التسحير وقول المؤذن تسحروا أو طواف المسحراتي في الشوارع والطرقات

293349

تاريخ النشر : 18-07-2018

المشاهدات : 21095

السؤال

بعض المؤذنين يرفعون أصواتهم وقت السحور على مكبرات الأصوات بكلمة : السحور السحور السحور ، يكررونها لقصد إيقاظ الناس للسحور ، وهناك آخرون يتجولون في الشوارع ، ويضربون الآلات ، ويوقظون الناس للسحور ، وربما بعض الناس ينتظرون هؤلاء لتناول السحور ، فما حكم هذه الأفعال ؟ وهل في ذلك أجر ؟

الجواب

الحمد لله.

التسحير وهو تنبيه الناس للسحور من على المآذن بقولهم: تسحروا، أو قوموا للسحور، أو بالطواف بالشوارع وإنشاد الأناشيد، واستعمال الطبلة وغيرها، كل ذلك من البدع المحدثة .
وإذا اشتمل على استعمال آلات اللهو والعزف ، كان أشد إثما وقبحا ؛ لأن المعازف محرمة، وتحريمها في الزمن الفاضل أشد، واستعمالها للإيقاظ لعبادة أشد وأشد ، فهذه ظلمات بعضها فوق بعض.

قال ابن الحاج المالكي رحمه الله في كتابه "المدخل" (2/ 253): "َ وَيَنْهَى الْمُؤَذِّنِينَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ التَّسْحِيرِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَمَرَ بِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ .

سِيَّمَا وَهُمْ يَقُومُونَ إلَى التَّسْحِيرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ، لِأَنَّ السُّحُورَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْوَى بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى صَوْمِ النَّهَارِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا إذَا فُعِلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِقَلِيلٍ ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : (تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ . قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ ؟ قَالَ : قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً) .

فَإِذَا تَسَحَّرَ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوعُ إلَّا بَعْدَ الظُّهْرِ، وَإِذَا جَاعَ ذَلِكَ الْوَقْتَ ، فَمَسَافَةُ الْفِطْرِ قَرِيبَةٌ ، فَتَسْهُلُ لِذَلِكَ الْعِبَادَةُ ، وَلِذَلِكَ سَمَّوْا السَّحُورَ الْغَدَاءَ الْمُبَارَكَ ، لِأَنَّ وَقْتَ السُّحُورِ قَرِيبٌ مِنْ وَقْتِ الْغَدَاءِ، وَيَحْصُلُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ أَجْرُ الصِّيَامِ ، مَعَ نَشَاطِ بَدَنِهِ ، وَتَوْفِيرِ عُمْرِهِ لِقِيَامِ لَيْلِهِ ، لِأَنَّهُ إذَا تَسَحَّرَ فِي اللَّيْلِ حَصَلَ لَهُ الْكَسَلُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ، بِسَبَبِ الْبُخَارِ الَّذِي يَصْعَدُ إلَى دِمَاغِهِ ، فَيُدَخِّنُ عَلَيْهِ ، فَيَغْلِبُهُ النَّوْمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَسَحَّرَ قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، فَإِنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ ، ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرْضِ فِي أَوْرَادِهِ ، وَاشْتَغَلَ بِهَا ، ثُمَّ تَصَرَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُهِمَّاتِهِ ، فَيَحْصُلُ لَهُ التَّهَجُّدُ فِي لَيْلِهِ ، وَخِفَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ فِي نَهَارِهِ ، وَيَنْضَبِطُ حَالُهُ " انتهى.

وقال رحمه الله: "اعْلَمْ أَنَّ التَّسْحِيرَ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ اخْتَلَفَتْ فِيهِ عَوَائِدُ أَهْلِ الْأَقَالِيمِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ الشَّرْعِ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ عَوَائِدُهُمْ.

أَلَا تَرَى أَنَّ التَّسْحِيرَ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِالْجَامِعِ يَقُولُ الْمُؤَذِّنُونَ: تَسَحَّرُوا ، كُلُوا وَاشْرَبُوا ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَقْوَالِهِمْ. وَيَقْرَءُونَ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة: 183] إلَى آخِرِ الْآيَةِ ، وَيُكَرِّرُونَ ذَلِكَ مِرَارًا عَدِيدَةً ثُمَّ يَسْقُونَ عَلَى زَعْمِهِمْ ، وَيَقْرَءُونَ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان: 1] مِنْ قَوْله تَعَالَى إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ [الإنسان: 5] إلَى قَوْلِهِ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلا [الإنسان: 23] . وَالْقُرْآنُ الْعَزِيزُ يَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّهَ عَنْ مَوْضِعِ بِدْعَةٍ ، أَوْ عَلَى مَوْضِعِ بِدْعَةٍ، ثُمَّ يَقُولُونَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ إنْشَادِ الْقَصَائِدِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ.

وَيُسَحِّرُونَ أَيْضًا بِالطَّبْلَةِ ، يَطُوفُ بِهَا أَصْحَابُ الْأَرْبَاعِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الْبُيُوتِ وَيَضْرِبُونَ عَلَيْهَا ، هَذَا الَّذِي مَضَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَأَهْلُ الْيَمَنِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ : فَيُسَحِّرُونَ بِدَقِّ الْأَبْوَابِ عَلَى أَصْحَابِ الْبُيُوتِ وَيُنَادُونَ عَلَيْهِمْ قُومُوا كُلُوا، وَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الْبِدَعِ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا أَهْلُ الشَّامِ فَإِنَّهُمْ يُسَحِّرُونَ بِدَقِّ الطَّارِ وَضَرْبِ الشَّبَّابَةِ وَالْغِنَاءِ وَالْهُنُوكِ وَالرَّقْصِ وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَهَذَا شَنِيعٌ جِدًّا ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْقِيَامِ قَابَلُوهُ بِضِدِّ الْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَأَمَّا بَعْضُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الشَّامِ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَقْتُ السُّحُورِ عِنْدَهُمْ يَضْرِبُونَ بِالنَّفِيرِ عَلَى الْمَنَارِ ، وَيُكَرِّرُونَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ بَعْدَهُ يَضْرِبُونَ بِالْأَبْوَاقِ سَبْعًا ، أَوْ خَمْسًا ، فَإِذَا قَطَعُوا حُرِّمَ الْأَكْلُ إذْ ذَاكَ عِنْدَهُمْ.

ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْهُمْ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُمْ يَضْرِبُونَ بِالنَّفِيرِ وَالْأَبْوَاقِ فِي الْأَفْرَاحِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَهُمْ ، وَيَمْشُونَ بِذَلِكَ فِي الطُّرُقَاتِ ، فَإِذَا مَرُّوا عَلَى بَابِ مَسْجِدٍ سَكَتُوا وَأَسْكَتُوا ، وَيُخَاطِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِقَوْلِهِمْ : احْتَرِمُوا بَيْتَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَيَكُفُّونَ حَتَّى يُجَاوِزُونَهُ ، فَيَرْجِعُونَ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ ، الَّذِي هُوَ شَهْرُ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ : يَأْخُذُونَ فِيهِ النَّفِيرَ وَالْأَبْوَاقَ ، وَيَصْعَدُونَ بِهَا عَلَى الْمَنَارِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ وَيُقَابِلُونَهُ بِضِدِّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ فِعْلَ التَّسْحِيرِ بِدْعَةٌ بِلَا شَكٍّ وَلَا رَيْبٍ؛ إذْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَأْثُورَةً لَكَانَتْ عَلَى شَكْلٍ مَعْلُومٍ لَا يَخْتَلِفُ حَالُهَا فِي بَلْدَةٍ دُونَ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ .
فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ قَدَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا : التَّغْيِيرُ عَلَيْهِمْ ، وَعَلَى الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ خُصُوصًا ، كُلٌّ مِنْهُمْ يُغَيِّرُ مَا فِي إقْلِيمِهِ ، إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ بِشَرْطِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَفِي بَلَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَفِي مَسْجِدِهِ" انتهى من "المدخل" (2/ 255).

وينظر في تحريم استعمال المعازف جواب السؤال رقم : (5000) ، ورقم : (2184) .

والبديل المشروع: هو الأذان الأول، قبل الفجر .

روى البخاري (621) ، ومسلم (1093) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ - أَوْ قَالَ نِدَاءُ بِلَالٍ - مِنْ سُحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ - أَوْ قَالَ يُنَادِي - بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ).

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (7/ 204): "ومعناه أنه إنما يؤذن بليل ليعلمكم بأن الفجر ليس ببعيد ، فيرد القائم المتهجد إلى راحته ، لينام غفوة ، ليصبح نشيطا ، أو يوتر إن لم يكن أوتر ، أو يتأهب للصبح إن احتاج إلى طهارة أخرى ، أو نحو ذلك من مصالحه المترتبة على علمه بقرب الصبح.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ويوقظ نائمكم) أي ليتأهب للصبح أيضا ، بفعل ما أراد من تهجد قليل ، أو إيتار إن لم يكن أوتر ، أو سحور إن أراد الصوم ، أو اغتسال ، أو وضوء ، أو غير ذلك مما يحتاج إليه قبل الفجر" انتهى.

فهذه هي السنة المشروعة اللائقة بهذه العبادة العظيمة، لا البدع والمحدثات، ولا اللهو والعبث.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب