الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

حكم عقد البناء والتمويل والإعادة (البوت) (B.O.T)

293593

تاريخ النشر : 08-12-2018

المشاهدات : 9707

السؤال

يتجه عالم الأعمال اليوم للاستثمار عبر نظام يسمى BOT وهو عبارة عن آلية استثمارية قائمة على الذكاء الاصطناعي، ويمكنها تحديد إمكانات نمو السوق والربحية من خلال تحليل بيانات اتجاهات السوق الحالية والسابقة لتستثمر الأموال بأفضل طريقة ممكنة نيابة عن المستثمر. ويوجد حالياً -على حد علمى- شركة إسلامية واحدة فقط تطبق هذا النظام الرائج وتتجنب الاستثمار في قطاعات محرمة مثل التبغ والكحول ، كما إن لديها أيضاً هيئة شرعية - ولكن جزءًا من الأرباح التى تجنيها الشركة باستخدام هذا النظام يأتى من الفوائد فمن الصعب على هذا النظام التمييز بين الربح الحلال والربح الحرام، لذا تقوم الشركة فى نهاية العام بالتبرع بالفائدة للجمعيات الخيرية للتخلص من الربح الحرام وسؤالى هنا هل يجوز كسب المال بتلك الطريقة إذ لا يمكن تفادي الحصول على الفائدة حتى لو تبرعنا بها للجمعيات الخيرية؟

الجواب

الحمد لله.

نظام (B.O.T) وهو اختصار لـ (BUILD OPERATE TRANSFER) يعني تولي القطاع الخاص تشييد وتنفيذ مشروعات البنية الأساسية ، كإنشاء مطار أو محطة لتوليد الكهرباء من موارده الخاصة، على أن يتولى تشغيله وإدارته بعد الانتهاء منه لمدة امتياز معينة، وخلالها يتولى تشغيل المشروع بحيث يحصل من خلاله على التكاليف التي تحملها بالإضافة إلى تحقيق أرباح من خلال الرسوم التي يدفعها مستخدمو هذا المشروع، وبعد انتهاء مدة الامتياز يتم نقل المشروع بعناصره إلى الدولة.

وينظر:

http://www.almoslim.net/node/125423

ولهذا يسمى عقد البناء والتمويل والإعادة، وله صور متنوعة .

وقد صدر بشأنه قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، دعا فيه إلى مزيد من البحث للحكم على جميع صوره، ونصه:

" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الـ 19 في إمارة الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة) من الأول إلى الخامس من جمادى الأولى 1430هـ، الموافق 26 إلى 30 نيسان (أبريل) 2009م. بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع تطبيق نظام البناء والتشغيل والإعادة B.O.T في تعمير الأوقاف والمرافق العامة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يأتي:

أولا: يقصد بعقد البناء والتشغيل والإعادة: اتفاق مالك ، أو من يمثله ، مع ممول (شركة المشروع) ، على إقامة منشأة وإدارتها، وقبض العائد منها، كاملاً أو حسب الاتفاق، خلال فترة متفق عليها ، بقصد استرداد رأس المال المستثمر ، مع تحقيق عائد معقول، ثم تسليم المنشأة صالحة للأداء المرجو منها.

ثانيا: عقد البناء والتشغيل والإعادة : عقد مستحدث، فهو وإن شابه في بعض صوره التعاقدات وأدوات الاستثمار المعهودة فقها، فإنه ربما لا يتطابق مع أي منها.

ثالثا: يجوز الأخذ بعقد البناء والتشغيل والإعادة في تعمير الأوقاف والمرافق العامة.

ويوصي بما يلي:

تكثيف البحث الفقهي حول جميع صور عقود البناء والتشغيل والإعادة ، بغرض ضبط أحكامها المختلفة ، وصياغتها في نصوص يسهل عند التفاوض والتحاكم الرجوع إليها والبناء عليها" انتهى من موقع المجمع:

http://www.iifa-aifi.org/2310.html

وقد اختلف المعاصرون في تكييف هذا العقد، فمنهم من جعله عقد استصناع، بثمن يستوفيه الصانع بالانتفاع بالمصنوع مدة معينة.

وممن ذهب إلى ذلك: هيئة المعايير الشرعية، حيث جاء في معيار الاستصناع:

" يشترط أن يكون ثمن الاستصناع معلوماً عند إبرام العقد، ويجوز أن يكون نقوداً، أو عيناً، أو منفعة لمدة معينة، سواء كانت منفعة عين أخرى، أم منفعة المصنوع نفسه .

وهذه الصورة الأخيرة تصلح للتطبيق في حال منح الجهات الرسمية عقود امتياز، نظير الانتفاع بالمشروع لمدة معينة (Build Operate Transfer )" انتهى.

ولكن في عقد (البوت) قد تشارك الدولة بالأرض، لتبني عليها الشركة محطة قطار مثلا، فلا يكون الأمر مجرد استصناع، بل هو شركة واستصناع، ويمكن إدراج ذلك تحت الشركة المتناقصة.

وقد لا يوجد استصناع، كما في عقد التنقيب عن المعادن.

ولهذا ذهب جماعة من الباحثين إلى تكييفات أخرى لهذا العقد.

وقد صدر عن ندوة البركة الثالثة عشرة قرار بشأن عقد الامتياز، جاء فيه:

" ‌أ-     فإذا كان محل عقد الامتياز إقامة مشروع ، فيه مبان ومعدات تتطلب أموالاً تزيد كثيراً عن قيمة الأرض ، وذلك كبناء جسر أو إنشاء محطة كهرباء أو مياه ، أو تعبيد طريق ؛ فإن العلاقة بين الدولة مانحة الامتياز وصاحبة الامتياز : يمكن أن تكون علاقة استصناع  والثمن فيه هو الانتفاع بالمشروع مدة معلومة . ولا بد أن تكون رسوم الانتفاع عادلة وغير مجحفة بمستخدمي المشروع ...

‌ب-     وإذا كان محل عقد الامتياز التنقيب عن المعادن : فإن التكييف الشرعي المناسب هو أن يكون العقد من قبيل إجارة الأرض بجزء مما  يخرج منها ، وذلك قياسا على المزارعة ببعض الزرع .

‌ج-     يمكن تكييف بعض عقود الامتياز على أساس المشاركة  المتناقصة بين الدولة وصاحب الامتياز ، بحيث يتم التنفيذ بمساهمة من الطرفين ، ثم تشتري الدولة حصة صاحب الامتياز تدريجياً باتفاق آني عند شراء كل حصة " انتهى.

وينظر: بحث " عقد البناء والتشغيل والإعادة ( B.O.T ) وتطبيقه في تعمير الأوقاف والمرافق العامة، إعداد: د.عبد الستار أبو غدة" بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي.

وقد ذكر الباحث فرعا شبيها ببعض صور هذا العقد أورده فقهاء المالكية:

قال ابن رشد رحمه الله: " قال ابن القاسم في رجل قال لرجل: أعطني عرصتك هذه، أبنيها بعشرة دنانير، أو بما دخل فيها ، على أن أسكنها في كل سنة بدينار حتى أوفي ما غرمت فيها وأصلحت ؟

قال: إن سمى عدة ما يبنيها به، وما يكون عليه في كل سنة، فذلك جائز، وإن لم يسم فلا خير فيه" انتهى من البيان والتحصيل (8/ 461).

وينظر لمزيد الفائدة: "الامتياز في المعاملات المالية" رسالة دكتوراه، للدكتور إبراهيم بن صالح التنم، ص520- 544

والحاصل أن عقد البوت جائز في الجملة – يعني : من حيث الأصل - مع الحاجة إلى النظر في تفاصيل كل صورة من صوره ، حتى يتسنى الحكم عليها .

ثانيا:

تلجأ بعض الشركات المتعاملة بهذا العقد للاقتراض بالربا لتوفير المال الذي ستقيم به المشروع، وهذا محرم لا يخفى.

قال الدكتور عكرمة سعيد صبري: "تلجأ بعض شركات القطاع الخاص إلى الاقتراض من المؤسسات المالية والمصرفية والبنوك التقليدية ، بدعوى أن تكلفة المشروع الذي أُحيل إليها أكبر من طاقتها ومن حجمها المالي.

وأقول: إن هذا الافتراض غير مشروع بل هو محرم، ثم كان الأولى بالشركة ألا تأخذ مشاريع فوق طاقتها..." انتهى من: "عقد البناء والتشغيل والإعادة (BOT) في تعمير الأوقاف والمرافق العامة" بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة عشرة.

وأما ما جاء في السؤال من أن الشركة لديها أرباح ربوية، فهذا قد يأتي من إيداعها أموالها في البنوك الربوية بفائدة، وهذا عمل محرم، والواجب حفظ المال في بنك إسلامي، فإن لم يوجد، فإنه يوضع في حساب جار – بدون فائدة - في البنك الربوي.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب