الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

كيفية الصلاة على هيئة الإضطجاع

294088

تاريخ النشر : 18-10-2018

المشاهدات : 50485

السؤال

كيف ينبغي للمرء أن يصلي عندما يكون مضجعا على جنبه أو مستلقيا ؟ كيف ينبغي أن يقوم بالتكبير ، الركوع ، السجود ، وقراءة التشهد ؟ كيف يومئ ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

المصلي على هيئة الاضطجاع له حالان :

الأولى:

أن تكون الصلاة فريضة ، ويكون المصلي قادرا على القيام أو الجلوس ؛ فلا تصح صلاته مضطجعا ، بإجماع العلماء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين وقد كان مريضا:  صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ  رواه البخاري (1117).

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" هذا يبين لك أن القيام لا يسقط فرضه إلا بعدم الاستطاعة، ثم كذلك القعود إذا لم يستطع، ثم كذلك شيء، شيء ، يسقط عند عدم القدرة عليه، حتى يصير إلى الإغماء؛ فيسقط جميع ذلك " انتهى من "التمهيد" (1 / 135).

الثانية : أن تكون الصلاة تطوعا ، فيجوز للمصلي أن يصلي جالسًا وهو قادر على القيام ، غير أنه يكون له نصف أجر القائم .

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

" الحديث كله في المتطوع ، لقوله: (أَفْضَلُ)، وأنه مع القدرة على القيام، وبالاختيار " انتهى من "إكمال المعلم" (3 / 77).

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (9307) .

ثانيا :

هل يجوز أن يصلي التطوع مضطجعًا وهو قادر على القعود ؟

أكثر العلماء على أنه لا يجوز ذلك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"  أكثر العلماء أنكروا ذلك، وعدوه بدعة وحدثا في الإسلام، وقالوا: لا يعرف أن أحدا قط صلى في الإسلام على جنبه وهو صحيح، ولو كان هذا مشروعا لفعله المسلمون على عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم أو بعده ، ولفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة لتبيين الجواز، فقد كان يتطوع قاعدا، ويصلي على راحلته قِبل أي وجه توجهت، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، فلو كان هذا سائغا لفعله ولو مرة، أو لفعله أصحابه. " انتهى من "مجموع الفتاوى" (23 / 235).

ومن أهل العلم من أجاز التطوع على هيئة الاضطجاع ، وروي ذلك عن الحسن البصري؛ وهو قول في المذهب المالكي والشافعي والحنبلي؛ وحجتهم إطلاق حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: ( مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ ) .

رواه البخاري (1116)، وقَالَ: " نَائِمًا - عِنْدِي - : مُضْطَجِعًا ، هَا هُنَا" انتهى.

وعلى القول بجوازه في هذه الحال، فإن الاضطجاع يقوم مقام القيام فقط ، ويلزم المصلي أن يقعد عند الركوع والسجود فينحني بالركوع ، ويسجد إذا كان يستطيع ذلك.

قال النووي رحمه الله تعالى:

"قال الرافعي: إذا جوزنا الاضطجاع في النفل، مع قدرته فهل يجزئ الاقتصار على الإيماء بالركوع والسجود؟ أم يشترط أن يركع ويسجد كالقاعد؟

فيه وجهان: أصحهما الثاني. قال إمام الحرمين: عندنا أن من جوّز الاضطجاع، لا يجوز الاقتصار في الأركان الذكرية، كالتشهد والتكبير وغيرهما، على ذكر القلب.

وهذا الذي قاله إمام الحرمين لابد منه؛ فلا يجزى ذكر القلب قطعا، لأنه حينئذ لا يبقى للصلاة صورة أصلا، وإنما ورد الحديث بالترخيص في القيام والقعو،د فيبقى ما عداهما على مقتضاه والله أعلم " انتهى من "المجموع" (3 / 276).

وقال المرداوي الحنبلي رحمه الله تعالى:

" قوله: "ولا يصح مضطجعا، ونقل ابن هانئ صحته، اختاره بعضهم .

ثم هل يومئ أو يسجد؟ يحتمل وجهين" .... :

إحداهما: يسجد. قلت: وهو ظاهر كلام المجد في "شرحه"، وغيره، وهو الصواب " انتهى من"الفروع وتصحيح الفروع" (2 / 400).

ثالثا:

إذا كان المصلي لا يستطيع أن يصلي قائما أو قاعدا ، فيجوز له أن يصلي مضطجعا في الفريضة والنافلة ، لحديث عمران بن حصين المتقدم .

والمضطر للصلاة مضطجعا، صلاته مبنية على قاعدتين عظيمتين :

الأولى: أن المسلم لا يُكلَّف إلا ما يستطيعه.

قال الله تعالى:  لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا  البقرة /286.

وقال الله تعالى:  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ   التغابن/16.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة، تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها...؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: ( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب )" انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 634).

والثانية: أن ما يقدر عليه من الأفعال والأقوال: عليه أن يأتي به ولا يسقط، فالقاعدة عند أهل العلم "أن الميسور لا يسقط بالمعسور".

قال عز الدين ابن عبد السلام رحمه الله تعالى:

" قاعدة: وهي أن من كلف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه ... " انتهى من "قواعد الأحكام" (2 / 7).

فالحاصل؛ أن المضطر للصلاة مضطجعا، يصلي على جنب ، فإن لم يستطع ، فمستلقيا على ظهره.

ويومئ برأسه بالركوع والسجود، فإن لم يستطع يصلي ناويا بقلبه ، ويقرأ الذكر بلسانه .

وهكذا في التشهد والتكبير: إن كان قادرا على رفع يديه والإشارة بإصبعه فعل، وإلا اكتفى بالقول.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: ( فإن لم تستطع فعلى جنب )، ولم يبين أي الجنبين يكون عليه، فنقول: هو مخير على الجنب الأيمن أو على الأيسر.

والأفضل أن يفعل ما هو أيسر له ... فإن تساوى الجنبان فالجنب الأيمن أفضل؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله.

قوله: " فإن صلى مستلقيا ، ورجلاه إلى القبلة : صح " ...

والقول الثاني: أنه لا يصح مع القدرة على الجنب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمران بن حصين: ( فإن لم تستطع فعلى جنب ) وهذه هيئة منصوص عليها من قبل الشرع، وتمتاز عن الاستلقاء بأن وجه المريض إلى القبلة، أما الاستلقاء فوجه المريض إلى السماء، فهو على الجنب أقرب إلى الاستقبال. وهذا القول هو الراجح...

فصار ترتيب صلاة المريض كما يلي:

يصلي قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، فإن لم يستطع فمستلقيا ورجلاه إلى القبلة، فهذه هي المرتبة الرابعة على القول الراجح ...

فإن كان مضطجعا على الجنب ، فإنه يومئ بالركوع والسجود .

ولكن كيف الإيماء؟ هل إيماء بالرأس إلى الأرض بحيث يكون كالملتفت، أو إيماء بالرأس إلى الصدر؟

الجواب: أنه إيماء بالرأس إلى الصدر؛ لأن الإيماء إلى الأرض فيه نوع التفات عن القبلة، بخلاف الإيماء إلى الصدر، فإن الاتجاه باق إلى القبلة، فيومئ في حال الاضطجاع إلى صدره قليلا في الركوع، ويومئ أكثر في السجود.

فإن عجز ...

فهنا ثلاثة أقوال: القول الأول: إذا عجز عن الإيماء بالرأس، يومئ بعينه.

القول الثاني: تسقط عنه الأفعال، من دون الأقوال.

القول الثالث: تسقط عنه الأقوال والأفعال، يعني: لا تجب عليه الصلاة أصلا، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

والراجح من هذه الأقوال الثلاثة: أنه تسقط عنه الأفعال فقط؛ لأنها هي التي كان عاجزا عنها، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه، لأنه قادر عليها، وقد قال الله تعالى: ( فاتقوا الله ما استطعتم ) فنقول: كبر، واقرأ، وانو الركوع، فكبر وسبح تسبيح الركوع، ثم انو القيام وقل: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" إلى آخره، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود؛ لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية ( فاتقوا الله ما استطعتم ) .

فإن عجز عن القول والفعل بحيث يكون الرجل مشلولا ولا يتكلم، فماذا يصنع؟

الجواب: تسقط عنه الأقوال والأفعال، وتبقى النيّة، فينوي أنه في صلاة، وينوي القراءة، وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود.

هذا هو الراجح؛ لأن الصلاة أقوال وأفعال بنيّة، فإذا سقطت أقوالها وأفعالها بالعجز عنها بقيت النيّة.

ولأن قولنا لهذا المريض: لا صلاة عليك قد يكون سببا لنسيانه الله، لأنه إذا مر عليه يوم وليلة وهو لم يصل فربما ينسى الله عز وجل، فكوننا نشعره بأن عليه صلاة ، لا بد أن يقوم بها ولو بنيّة ؛ خير من أن نقول: إنه لا صلاة عليه  " انتهى من "الشرح الممتع" (4 / 328 - 332).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب