الحمد لله.
مثل هذه الإعلانات ليس لها حكم واحد ؛ فقد نص أهل العلم أن الإعلان عن وفاة الميت، في أصله، على نوعين:
نوع غير مشروع:
وهو ما قصد به إظهار الحزن ، وإعلام الناس، على وجه المفاخرة بمكانة الميت ، ومن غير قصد مصلحة مشروعة ، فهذا يتناوله عموم النهي عن النعي.
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ قَالَ: " إِذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ " رواه الترمذي (986)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ"، وحسنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3 / 117)، والألباني في "أحكام الجنائز" (ص 30 – 31).
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" يقال: نعى الميت ينعاه نَعْياً ونَعِيّاً، إذا أذاع موته ، وأخبر به ، وإذا ندبه " انتهى من "النهاية في غريب الحديث" (5 / 85).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وأما نعي الجاهلية:
فقال سعيد بن منصور: أخبرنا ابن علية، عن بن عون، قال: قلت لإبراهيم: أكانوا يكرهون النعي؟ قال: نعم.
قال ابن عون: كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة ثم صاح في الناس أنعي فلانا.
وبه [يعني: وبنفس الإسناد السابق] إلى بن عون، قال: قال ابن سيرين: لا أعلم بأسا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه.
وحاصله: أن محض الإعلام بذلك: لا يكره . فإن زاد على ذلك : فلا.
وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك ، حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول: ( لا تؤذنوا به أحدا إني أخاف أن يكون نعيا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين ينهى عن النعي ) أخرجه الترمذي وابن ماجة بإسناد حسن.
قال بن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:
الأولى: إعلام الأهل والأصحاب ، وأهل الصلاح : فهذا سنة.
الثانية: دعوة الحفل للمفاخرة : فهذه تكره.
الثالثة: الإعلام بنوع آخر ، كالنياحة ونحو ذلك : فهذا يحرم " انتهى من "فتح الباري" (3 / 117).
النوع الثاني:
الإخبار بالوفاة ليس على سبيل إظهار الحزن أو المفاخرة، ولكن لتحقيق مصلحة مشروعة، كقصد استغفار الناس له، وحضور جنازته، خاصة إذا قصد بالإعلان معارف هذا المتوفى وأقاربه، كما سبق في كلام الحافظ ابن حجر.
سُئل الشيخ عبد الرحمن البراك:
" هل تناقل خبر (المتوفى) باسمه عبر رسائل الجوال، أو عبر منتديات الإنترنت يعد من النعي المنهي عنه؟.
فأجاب:
، النعي هو الإخبار بموت أحد من الناس، وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن النعي، وثبت أنه نعى النجاشي إلى أصحابه، وخرج بهم إلى المصلى، وصلى عليه، وكبر أربعاً.وقال العلماء: الجمع بين الحديثين أن النعي المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية، من بعث من ينادي في العشائر، مات فلان مات فلان على وجه الفخر والتعاظم والتعظيم لذلك الميت.
وأما مجرد الإخبار بموت الإنسان، لمصلحة شرعية، كالصلاة عليه ومواساة أهله وتعزيتهم: فإن ذلك لا بأس به، فتبين أن النعي يختلف حكمه بحسب الغرض منه...
" انتهى.
https://ar.islamway.net/fatwa/36326
فإذا كان هذا الإعلان يقصد به النوع المشروع: فلا بأس به ، وإن كان ينبغي أن يتجنب كلمة "الحداد"؛ لأنه يقصد بها إثارة الحزن، بل والدعوة إليه أيضا.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" أَحَدَّتِ المرأة على زوجها تُحِدُّ، فهي مُحِدٌّ، وحَدَّتْ تَحُدُّ وتَحِدُّ فهي حَادٌّ: إذا حَزِنَت عليه، ولَبِسَت ثياب الحزن، وتَركَت الزّينة " انتهى من "النهاية في غريب الحديث" (1 / 352).
ودعوة عموم الناس للحزن، أو الحداد: لم يأت بها الشرع، ولا ترجع على الميت بفائدة، والمطلوب أن يحث الإعلان على ما يفيد الميت من الحث على الاستغفار له.
قال الشيخ الالباني رحمه الله تعالى:
" ويستحب للمخبر أن يطلب من الناس أن يستغفروا للميت، لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الامراء، فقال: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة الانصاري...
فانطلقوا، فلبثوا ما شاء الله، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، وأمر أن ينادي الصلاة جامعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... ألا أخبر كم عن جيشكم هذا الغازي؟ إنهم انطلقوا فلقوا العدو، فأصيب زيد شهيدا، فاستغفروا له - فاستغفر له الناس - ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، فشد على القوم حتى قتل شهيدا، أشهد له بالشهادة، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فأثبت قدميه حتى قتل شهيدا، فاستغفروا له ... ).
أخرجه أحمد، وإسناده حسن.
وفي الباب عن أبي هريرة وغيره في قوله صلى الله عليه وسلم لما نعى للناس النجاشي: ( استغفروا لأخيكم ) " انتهى من "أحكام الجنائز" (ص 33).
ولا بأس بعبارة ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )، ونحو ذلك؛ فإن قولها عند المصيبة من السنة.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )، اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ) رواه مسلم (918).
كما ينبغي عدم تحري وضع اللون الأسود في الإعلان؛ لأن هذا من عادات أهل الكفر في الإخبار عن موتاهم، حيث يقصدون به إظهار الحزن على المتوفى، وشرعنا قد جاء بنهينا عن التشبه بأهل الكفر.
وينظر جواب السؤال رقم : (45200) ، ورقم : (21694) .
فالحاصل:
أن مثل هذا الإعلان؛ إذا كان خاليا من أي مصلحة مشروعة : فينبغي اجتنابه.
وقد ينهى عنه ، إذا قصد به المفاخرة بشهرة الميت ومكانته.
ويشرع إذا كان فيه مصلحة مشروعة، مثل الدعاء للميت، ومواساة أهله، ونحو ذلك من المقاصد الصحيحة، مع اجتناب كلمة "حداد"، ووضع الدعوة إلى الاستغفار للميت، ونحو ذلك ، بدلا منها. وكذا ينبغي عدم تحري اللون الأسود.
والله أعلم.
تعليق