الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم زواج الإكراه وصحة آثاره

295322

تاريخ النشر : 15-04-2023

المشاهدات : 6763

السؤال

امرأة أجبرها أبوها على الزواج من رجل لا تريده، وعاشت معه خوفا من أبيها، وأنجبت منه أربعة أبناء، وبعد وفاة أبيها مباشرة تطلقت منه، وتركت أبناءها، أبناؤها الآن يسألون هل زواج أمهم كان صحيحا أم لا؟وإن كان زواجها فسادا، فهل يصح نسبهم لأبيهم؟ وأيضا هم يعانون من مشاكل كثيرة جدا، وحياتهم صعبة للغاية، فهل لهذا علاقة؛ لأنهم لم يأتوا نتيجة زواج صحيح؟

ملخص الجواب

أن تزويج الفتاة وهي كارهة، اختلف أهل العلم في حكمه ، ومن قال بعدم جوازه أمضاه إذا رضيت الزوجة بعد عقد النكاح، وأنه لا ينفسخ إلا بطلاق أو حكم حاكم. وعليه فالنكاح بين والديكم نكاح صحيح على قولي أهل العلم؛ تترتب عليه آثاره الشرعية كاملة.  

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

إذا تزوجت المرأة رجلا خوفا من أبيها، فإن نكاحها صحيح عند جمهور الفقهاء ، ومنهم : المالكية، والشافعية، والحنابلة.

قال ابن عبد البر رحمه الله: " واختلفوا في الأب: هل يجبر ابنته الكبيرة البكر على النكاح أم لا؟ فقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى: إذا كانت المرأة بكراً، كان لأبيها أن يجبرها على النكاح، ما لم يكن ضرراً بيِّنـاً، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة، وبه قال أحمد وإسحق وجماعة" انتهى من "التمهيد" (12/40).

وقال ابن قدامة رحمه الله: "أما البكر البالغة العاقلة، فعن أحمد روايتان؛ إحداهما، له إجبارها على النكاح، وتزويجها بغير إذنها، كالصغيرة. وهذا مذهب مالك، وابن أبى ليلى، والشافعي، وإسحاق" انتهى من "المغني" (9/399).

وبناء عليه ؛ فإن ما كان من نكاح بين والديكم: نكاح صحيح عند جمهور العلماء، ولا يُشكل عليه وجود قول آخر، فإن الناس يُقرون على ما يعتقدونه ويدينون الله به من الاجتهادات الفقهية، حسب ما يقرره علماؤهم، فلا تراودكم الشكوك والظنون؛ خاصة في مثل هذه العقود الجليلة، التي ترتبت عليها آثار عظيمة، من استحلال الفروج، والأنساب ونحو ذلك؛ فإن فتح باب الوساوس في مثل ذلك خطر عظيم، ويتعين القول في العقود التي مضت، بصحتها، وترتيب آثارها عليها.

ثانياً:

القول الثاني في المسألة وهو أن النكاح لا يجوز مع الإجبار ، وهو قول وجيه، قال به جمع من المحققين من المتقدمين والمتأخرين، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم :(‌لَا ‌تُنْكَحُ ‌الْبِكْرُ ‌حَتَّى ‌تُسْتَأْذَنَ، وَلَا الثَّيِّب حَتَّى تُسْتَأْمَرَ). رواه البخاري (6567)، ومسلم (1419) واللفظ للبخاري.

وهو مذهب الأحناف، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقول الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهم الله، وبه تفتي اللجنة الدائمة...

قال ابن الهمام:" لا يجوز ‌للولي ‌إجبار ‌البكر ‌البالغة ‌على ‌النكاح" انتهى من "فتح القدير"(3/ 260).

ويقول ابن القيم معلقاً على حديث (البكر تستأذن في نفسها...): "وموجب هذا الحكم: أنه لا تجبر البالغ على النكاح، ولا تزوج إلا برضاها" انتهى من "زاد المعاد في هدي خير العباد" (5/ 88).

إلا أن القائلين بهذا القول يرون أنه موقوف على إجازة الزوجة له، وأن آثاره مترتبة عليه شرعاً، من أولاد وميراث وغير ذلك، وأنه لا ينفسخ إلا بطلاق، أو بحكم حاكم.

قال الكاساني رحمه الله: "وإذا كان الرضا في نكاح البالغة شرط الجواز، فإذا ‌زُوجت ‌بغير ‌إذنها، توقف التزويج على رضاها، فإن رضيت جاز، وإن ردت بطل".

وقال: " وأما الرضا بالفعل: فنحو التمكين من نفسها، والمطالبة بالمهر والنفقة، ونحو ذلك؛ لأن ذلك دليل الرضا" انتهى من "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 242).

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الإسلام فيمن زُوجت وهي مكرهة؟

فأجابت: " إذا لم ترض بهذا الزواج، فترفع أمرها إلى المحكمة، لتثبيت العقد أو فسخه ". انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة" (18/126).

وما حصل بين والديكم من طول العشرة والنفقة والإنجاب، وعدم رفعه إلى القضاء الشرعي، يدل على الرضا بالفعل، فهو نكاح صحيح على القولين.

وبناء على ما سبق من كلام أهل العلم من أصحاب المذاهب والأئمة المحققين، فإن النكاح بين والديكم تترب عليه آثاره، جميعا، من ثبوت مهر، ونفقة، وميراث؛ وأما أولادهم فهم أولاد شرعيون، ينسبون إلى والديهم، ولا إشكال في ذلك!

ثالثاً:

حصول المشاكل للأولاد ليس لها علاقة بما يظنونه سبباً لتلك المشاكل لسببين:

1-أن توهمهم أن هناك مشكلة في صحة انتسابهم غير صحيح ، لما سبق بيانه.

2-أنه لو افترضنا جدلاً أن هناك مشكلة، فليست هذه مشكلتهم، ولم يصنعوها هم، والله عز وجل لا يعاقب الناس بشيء صنعه غيرهم، قال الله تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ ‌وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (الأنعام: 164).

 قال البغوي في تفسيره: "أي: لا يؤاخذ أحد بذنب غيره" انتهى من تفسير البغوي (3/212).

وقد ورد عند أبي داود من حديث أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَبِي: ابْنُكَ هَذَا؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: حَقًّا؟ قَالَ: أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا مِنْ ثَبْتِ شَبَهِي فِي أَبِي، وَمِنْ حَلِفِ أَبِي عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ ‌لَا ‌يَجْنِي ‌عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. أبو داود (4495) وصححه الألباني، انظر "إرواء الغليل" (7/332).

الخلاصة:

أن تزويج الفتاة وهي كارهة، اختلف أهل العلم في حكمه ، ومن قال بعدم جوازه أمضاه إذا رضيت الزوجة بعد عقد النكاح، وأنه لا ينفسخ إلا بطلاق أو حكم حاكم.

وعليه فالنكاح بين والديكم نكاح صحيح على قولي أهل العلم؛ تترتب عليه آثاره الشرعية كاملة.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب