الحمد لله.
إذا كنت قد سافرت من أجل هذا العلاج ولم يكن هذا في بلدك، فقصر الصلاة في هذه الحال مشروع لوجود سبب القصر وهو السفر.
ولا يؤثر على ذلك طول مدة السفر ، لأن قصر المسافر إذا أقام مدة طويلة لحاجة ، من المسائل الاجتهادية التي اختلف في حكمها العلماء ، ومثل هذه المسائل لا تثريب على المسلم إذا أخذ بأي قول من الأقوال المعتبرة بين علماء المسلمين ، ولا حرج عليه في ذلك .
وأما إذا كان علاجك في بلدك ومحل إقامتك : فمن المجمع عليه أنه لا يشرع القصر في هذه الحال؛ لأن القصر خاص بالسفر فقط ، فلا يجوز للمسلم المقيم في بلده أن يقصر الصلاة .
عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ " رواه البخاري (3935) ، ومسلم (685) واللفظ له.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" يجوز القصر في السفر في الظهر والعصر والعشاء ، ولا يجوز في الصبح والمغرب ، ولا في الحضر ، وهذا كله مجمع عليه " انتهى من "المجموع" (4 / 322).
فمن قصر الصلاة الرباعية في الحضر لم تصح صلاته .
لكن إن فعل ذلك بسبب الجهل؛ فالجهل يعذر به صاحبه، كما دلت على ذلك نصوص الشرع.
ولا يلزمه أن يعيد تلك الصلاة التي صلاها قصرا؛ إلا إذا كان وقتها لم يخرج بعد فيعيدها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" للتكليف موانع منها: الجهل والنسيان والإكراه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجه والبيهقي وله شواهد من الكتاب والسنة تدل على صحته.
فالجهل: عدم العلم ، فمتى فعل المكلف محرماً جاهلاً بتحريمه فلا شيء عليه؛ كمن تكلم في الصلاة جاهلاً بتحريم الكلام، ومتى ترك واجباً جاهلاً بوجوبه ، لم يلزمه قضاؤه إذا كان قد فات وقته؛ بدليل أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته ، وكان لا يطمئن فيها ، لم يأمره بقضاء ما فات من الصلوات ، وإنما أمره بفعل الصلاة الحاضرة على الوجه المشروع...
وتلك الموانع إنما هي في حق الله ، لأنه مبني على العفو والرحمة ، أما في حقوق المخلوقين فلا تمنع من ضمان ما يجب ضمانه ، إذا لم يرض صاحب الحق بسقوطه والله أعلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11 / 31 – 32).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" أما من ترك الصلاة، أو فرضا من فرائضها؛ فإما أن يكون قد ترك ذلك ناسيا له بعد علمه بوجوبه، وإما أن يكون جاهلا بوجوبه، وإما أن يكون لعذر يعتقد معه جواز التأخير، وإما أن يتركه عالما عمدا...
وأما من ترك الصلاة جاهلا بوجوبها: مثل من أسلم في دار الحرب ، ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه فهذه المسألة للفقهاء فيها ثلاثة أقوال....
وأصل هذا : أن حكم الشارع، هل يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب له؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد؛ وغيره.
أحدها : يثبت مطلقا.
والثاني: لا يثبت مطلقا.
والثالث: يثبت حكم الخطاب المبتدأ دون الخطاب الناسخ، كقضية أهل قباء، وكالنزاع المعروف في الوكيل إذا عزل. فهل يثبت حكم العزل في حقه قبل العلم.
وعلى هذا: لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص. مثل أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ، ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه، ويتبين له النص، فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره أن يمس ذكره. ويصلي، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل : عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان، ولأنه قال: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) .
فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيء معين لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمارا لما أجنبا ، فلم يصل عمر، وصلى عمار بالتمرغ، أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياما لا يصلي، وكذلك لم يأمر من أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر من صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 / 98 – 102).
وذهب جمهور العلماء إلى وجوب الإعادة على كل حال .
فإذا أردت أن تحتاطي لنفسك ، وتقضي هذه الصلوات ، خروجا من خلاف جمهور أهل العلم؛ فهو أمر حسن ، إن شاء الله .
فإن نسيت عددها على وجه اليقين، فيجوز أن تقدري عددها بحسب ما يغلب على ظنك؛ فغالب الظن يقوم مقام اليقين عند تعذّره.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (244044).
والله أعلم.
تعليق