الحمد لله.
أولا:
إذا لم يكن للمأذون أجرة يتقاضاها من الدولة، جاز له أخذها من المتعاقدين، وذلك مقابل تفريغه وقته، وذهابه لمحل العقد، وقيامه بالعمل، وتوثيقه وغير ذلك.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/ 106): "جرت العادة أن يعطى المأذون الشرعي مبلغا من المال مقابل عقد النكاح بين الزوجين، هل يباح للمأذون الشرعي أخذ هذا المال؟ علما أنه يذهب مع الزوج إلى مقر الزواج ولو طالت المسافة.
ج: إذا لم يكن موظفا لهذا الغرض يتقاضى عليه راتبا من الدولة : جاز له أن يأخذ ما يعطاه مقابل تنظيم إجراء العقد وكتابته .
أما إذا كان موظفا : فلا يجوز له ، حتى لو انتقل من مقر عمله إلى مقر المعقود لهما.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
ثانيا:
لا حرج في كون الأجرة نسبةً من شيء معلوم.
وقد أجاز الحنابلة أن تكون الأجرة نسبة، وقاسوا ذلك على المساقاة والمزارعة.
قال في "كشاف القناع" (3/ 524): " (ولو دفع عبده، أو) دفع (دابته إلى من يعمل بها بجزء من الأجرة) جاز (أو) دفع (ثوبا) إلى من (يخيطه، أو) دفع (غزلا) إلى من (ينسجه بجزء من ربحه) قال في المغني: وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا ليبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز نص عليه في رواية حرب وإن دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه جاز نص عليه (أو) دفع ثوبا إلى من يخيطه أو غزلا إلى من ينسجه (بجزء منه) مشاع معلوم (جاز) ؛ لأن ذلك عين تنمى بالعمل عليها فصح العقد عليها ببعض نمائها، كالشجر في المساقاة، والأرض في المزارعة...
(ومثله) أي ما ذكر (حصاد زرعه) بجزء مشاع منه (وطحن قمحه) بجزء مشاع منه (ورضاع رقيقه) بجزء مشاع منه (وبيع متاعه بجزء مشاع من ربحه، واستيفاء مال بجزء منه ونحوه) كبناء دار ونجر باب وضرب حديد نحو إبر بجزء مشاع منها (وغزوه بدابته) أي فرسه (بجزء من السهم) الذي يعطى لها " انتهى.
وفي هذا حث للعامل على العمل والبذل، وهو شبيه للمضاربة والمساقاة والمزارعة.
وأما إذا كان عمل العامل لا يختلف، كما هو الحال في عمل المأذون، فلا وجه لجعل أجرته نسبة من المؤخر، وقد أدى هذا إلى تحايل الناس، وكتابة المؤخر شيئا زهيدا، وعدلوا إلى ما يسمى بقائمة العفش التي يترتب عليها نزاع غالبا.
ولهذا نقول: لا يجوز أن تكون أجرة المأذون نسبة من المؤخر؛ لما في ذلك من أكل المال بالباطل، وما يؤدي إليه من تضييع حق المرأة وإدخالها فيما يؤدي إلى النزاع، مع كون الناس مضطرين إلى تسجيل العقود، فيدفعون المال للمأذون عن كره.
وإذا كانت الدولة تفرض نسبة على المؤخر، وتأخذ منها قدرا ، وتعطي المأذون قدرا : فعليه أن يعطي الدولة قدرها، ولا يأخذ هو إلا مبلغا معلوما يتفاهم فيه مع أهل العقد بالمعروف، ويتراضيان عليه؛ حذرا من الظلم : وأكل أموال الناس بالباطل.
والحاصل : جواز أخذ المأذون أجرة من المتعاقدين ما دام لا يأخذ أجرا من الدولة .
لكن لا يجوز أن تكون أجرته نسبة من المؤخر، لأنه لا تعلق لعمله بزيادة المؤخر ونقصانه ، ولا وجه لجعل أجرته نسبة منه.
والله أعلم.
تعليق