الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

اتهمه بالسرقة، فهل يعاقبه بالمثل فيتهمه كذبا؟

296793

تاريخ النشر : 08-01-2019

المشاهدات : 11532

السؤال

إذا كان شخص يتهمني بتهمة ما ظلما وزورا ، فهل يجوز ردها عليه ؟ فمثلا هناك مبلغ ضائع من المال ، وهو يدعي علي أنني أنا السارق ظلما ، وهو يعلم تمام العلم أنني لست الفاعل ، ولكن إن لم يقل أنني أنا الفاعل سيتهمه الناس بها ، لذلك يرميها علي ظلما ، وفي نفس الوقت هو ليس السارق فعلا ، ولكنه يتهمني حتي لا يتهمه الناس ، فهل يجوز عندما يأتيني أحدهم ويقول : فلان يقول إنك سارق أن أردها عليه ، وأتهمه ، وأقول : لا بل هو السارق ، عملا بقوله تعالى : ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) ؟ أم إنه لا يصح الاستشهاد بها هنا ؟

الجواب

الحمد لله.

مشروعية العقوبة بالمثل هي من قواعد الشرع التي دلت عليها الأدلة الشرعية ؛ ومن ذلك قول الله تعالى:  وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ  النحل /126 .

قال الشيخ المفسّر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" والآية فيها جواز الانتقام ، والإرشاد إلى أفضلية العفو.

وقد ذكر تعالى هذا المعنى في القرآن ; كقوله:   وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ  الآية، وقوله:   وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ  الآية، وقوله:  وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ  إلى قوله : وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ  ، وقوله:   لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ   إلى قوله :  أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا  ، كما قدمنا " انتهى من "أضواء البيان" (3 / 462).

لكن هذا مقيّد بأن لا يشتمل هذا الجزاء بالمثل على عدوان وتجاوز على حق من حقوق الله تعالى، كالكذب فهو محرم ولو لم يشتمل على ظلم للناس.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وإن كان قد سبه فله أن يسبه مثل ما سبه، إذا لم يكن فيه عدوان على حق محض لله، أو على غير الظالم.

فإذا لعنه أو سماه باسم كلب ونحوه فله أن يقول له مثل ذلك، فإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه؛ لأنه لم يظلمه.

وإن افترى عليه كذبا لم يكن له أن يفتري عليه كذبا؛ لأن الكذب حرام لحق الله " .

انتهى من"مجموع الفتاوى" (11 / 547).

وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (4 / 1101) عن عبد الكريم بن مالك الجزري عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ ) قَالَ: ( هُوَ الرَّجُلُ يَشْتُمُكَ فَتَشْتُمُهُ، وَلَكِنْ إِنِ افْتَرَى عَلَيْكَ ، فَلا تَفْتَرِ عَلَيْهِ ).

وعلى ذلك ؛ فلا يجوز أن تتهمه بالسرقة، إذا لم يكن هو السارق؛ لأن هذا من الكذب المحرم.

لكن لك أن تدافع عن نفسك وتقول عنه : إنه كاذب في اتهامك ، قال الله تعالى :

( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) النساء /148 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله...

وقوله: ( إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ، ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ... " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 212).

فيجوز أن تجهر لمن اتهمك بالسوء؛ بأن تصرح أمام الناس بأنه كاذب ظالم، وأن تدعو عليه، وإن صفحت وعفوت ولم تدع فهو أفضل ؛ لكن ليس لك أن تتهمه ، ظلما ، بمثل اتهمك به ظلما ، لأن الظلم محرم في كل حال ؛ فإذا كان هو كاذبا ، ظالما ؛ لم يحل لك أن تكون أنت ، أيضا : كاذبا ، ظالما .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب