الحمد لله.
البركةُ هي الخيرُ والزيادةُ والنماءُ ، قال الفيومي في "المصباح المنير" (1/45) : "البركةُ الزيادةُ والنماءُ ، وبارك الله تعالى فيه فهو مُبارَكٌ ، والأصلُ مبارَكٌ فيه " انتهى .
والله سبحانه وتعالى يختار ويبارك ما شاء من الذوات والأشخاص والأماكن والأزمنة والبلاد.
قال ابنُ القيم في "زاد المعاد" (1/53) : "فذوات ما اختاره واصطفاه من الأعيان والأماكن والأشخاص وغيرها مشتملةٌ على صفاتٍ وأمورٍ قائمةٍ بها ليست لغيرها ، ولأجلِها اصطفاها الله ، وهو سبحانه الذي فضّلها بتلك الصفات ، وخصّها بالاختيار، فهذا خلقُه ، وهذا اختيارُه (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) [القصص: 68] " انتهى .
وبركةُ الأشخاص نوعان:
بركةٌ ذاتية تُلتمسُ بالتمسح والآثار، وهذا خاصٌّ بالأنبياء عليهم السلام، وقد ثبت تبرك الصحابة رضي الله عنهم بعرق النبي ونُخامته وريقه والماء الذي توضأ به وثيابه ونحوها في أحاديث كثيرة.
وبركةُ عملٍ ، وهذه ثابتةٌ لكلِّ مسلمٍ بسبب إيمانه وأعماله الصالحة وعلمِه ونحو ذلك، وقد بيّن النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنّ المؤمنَ مباركٌ ، وأنّ بركتَه مستمرةٌ كما في صحيح البخاري (5444) مِن حديث ابن عمر رضي الله عنهما : ( إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسْلِمِ ) .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 145) : " وبركةُ النخلةِ موجودةٌ في جميع أجزائها ، مستمرةٌ في جميع أحوالها ، فمِن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعًا ، ثم بعد ذلك يُنتفع بجميع أجزائها حتى النوى في علف الدواب ، واللِّيف في الحبالِ وغير ذلك مما لا يَخفى ، وكذلك بركة المسلم عامةٌ في جميع الأحوالِ ، ونفعُه مستمرٌّ له ولغيرِه حتى بعد موتِه " انتهى .
فحلولُ أهل الخير والصلاح والإيمان عند الشخص ونزولُهم في ضيافتِه من أسباب البركة بما يُنتفَع به مِن علمهم ودعائهم ، وتلاقي المؤمنين وتصافحُهم من البركة بما يحصل مِن تكفير الذنوب وزيادة الحسنات.
فلا بأس عند زيارة المؤمنِ لأخيه أنْ يقول : هذه الساعة المباركة ؛ لما يحصل بسبب تزاور المؤمنين مِن الخير والأجر والبركة ، وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً ) رواه الترمذي (2008) ، وحسنه الألباني.
وكذلك لا مانع إذا جرى الخيرُ على يدِ إنسان أو كان بسببه أنْ يقال : إنه حصل ببركته كما ثبت في الصحيحين أنّ أسيد بن الحضير قال حينما أُنزلت آية التيمم بسبب فَقْدِ أمِّ المؤمنين عائشة لعِقدها ، وإقامة الناس لطلبه حتى فقدوا الماء : " مَا هِىَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِى بَكْرٍ" صحيح البخاري (334) ، ومسلم (367) . وفي رواية للبخاري (4608) : " فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ ، مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَرَكَةٌ لَهُمْ " .
فوصفهم بذلك لكثرة ما أجرى الله عز وجل الخير على أيديهم وبسببهم.
وأما إذا قصد بقوله "هذا ببركة أو مِن بركة فلان" أنّ له بركة ذاتية ، وأنه يُتبرّك به بالتسمح وببقية طهارته وعرقه ونحو ذلك فهذا غير مشروع ؛ لاختصاصه بالنبي عليه الصلاة والسلام كما سبق.
وينبغي حمل ألفاظ الناس على الصحة ما أمكن ذلك ما لم يظهر منهم إرادة المعنى المخالف للشرع.
وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله كما في موقعه : " لكن هذه مِن بركة فلان، إذا كان له أثر؛ لا بأس ، مثل ما قال أُسيد : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر" انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البراك كما في موقعه : ما حكم قول "هذه الساعة المباركة" لمن أراد أن يرحب بشخص.
فأجاب حفظه الله : " لعل الأمر في هذا واسع ، يعني لأن مجيء هذا الحبيب والمحبوب والإنسان الصالح يعني خير ، فهذه الساعة التي حصل لك فيها هذا الخير هذا من البركة التي جعلها الله في هذه الساعة، الساعة المباركة واللهُ هو الذي يجعل البركة فيما شاء مِن الأزمان والذوات والأعمال ، فهي مباركة " انتهى .
وينظر جواب السؤال (283904)
والله أعلم.
تعليق