الحمد لله.
أبَوالُ الإبِل وألبانها دواءٌ نافعٌ لبعض الأمراض ، وقدْ أمَر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذين اجتووا المدينة بشُرْبِها للتَّداوي ، فقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا..." الحديث رواه البخاري ( 233 ) ، ومسلم ( 1671 ) .
ومعنى قوله : " فاجتَوَوا المدينة " أي : أصابهم الجوى ، وهو داء الجوف إذا تطاول ، أو كرهوا الإقامة بها لما فيها من الوخم ، أو لم يوافقهم طعامها . انتهى من "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (1/ 299).
قال الحافظ ابن حجر : " والظاهر أنهم قدموا سِقامًا ، فلما صحوا من السقم ، كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها .
فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع ، فعند أبي عوانة من رواية غيلان عن أنس : كان بهم هزال شديد . وعنده من رواية أبي سعد عنه مصفرة ألوانهم .
وأما الوخم الذي شكوا منه ، بعد أن صحت أجسامهم : فهو من حمى المدينة ، كما عند أحمد من رواية حميد عن أنس " انتهى من "فتح الباري" لابن حجر (1/ 337).
والذي يظهر: أن ألبان وأبوال كل الإبل فيها شفاء ، وليس ذلك مخصوصًا بإبل المدينة؛ إذ لو كان خاصًا بإبل المدينة أو غيرها، لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يبين ذلك ، دلَّ على أن ذلك عام في كل الإبل ، إلا أن الإبل الأعرابية أفضل من غيرها ، لطيب مرعاها، وتنوع غذائها، ولا شك أن هذا أطيب للبنها، وأنفع .
قال ابن القيم : " قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ [يعني: ابن سينا]: وَاعْلَمْ أَنَّ لَبَنَ النُّوقِ دَوَاءٌ نَافِع،ٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَلَاءِ بِرِفْقٍ ، وَمَا فِيهِ مِنْ خَاصِّيَّةٍ ، وَأَنَّ هَذَا اللَّبَنَ شَدِيدُ الْمَنْفَعَةِ ، فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا أَقَامَ عَلَيْهِ بَدَلَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ ، شُفِيَ بِهِ ، وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ فِي قَوْمٍ دُفِعُوا إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ ، فَقَادَتْهُمُ الضَّرُورَةُ إِلَى ذَلِكَ ، فَعُوفُوا . وَأَنْفَعُ الْأَبْوَالِ : بَوْلُ الْجَمَلِ الْأَعْرَابِيِّ ، وَهُوَ النَّجِيبُ ، انْتَهَى .
وَفِي الْقِصَّةِ : دَلِيلٌ عَلَى التَّدَاوِي وَالتَّطَبُّبِ ، وَعَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ ، فَإِنَّ التَّدَاوِيَ بِالْمُحَرَّمَاتِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا مَعَ قُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ بِغَسْلِ أَفْوَاهِهِمْ، وَمَا أَصَابَتْهُ ثِيَابُهُمْ مِنْ أَبْوَالِهَا لِلصَّلَاةِ ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ " انتهى من "الطب النبوي" لابن القيم (ص: 38).
وقد سبق بيان فوائد أبوال الإبل وألبانها بالتفصيل في جواب السؤال رقم : (83423).
وعليه : فأبوال وألبان كل الإبل فيها نفع وشفاء بإذن الله ، سواء كانت في المشرق أو في المغرب ، وأفضلها إبل البوادي، وما يرعى في المراعي الطبيعية.
والله أعلم.
تعليق