الحمد لله.
أولا:
يحرم رسم أو تصوير ذوات الأرواح ، ويجب طمس ما وجد من الصور المحرمة، فإن كان تمثالا: قطع رأسه، وإن كان صورة منقوشة، طمس الوجه ومحا معالمه، أو أزال من الصورة ما لا تبقى معه الحياة، كقطع الرأس، أو النصف.
والأصل في ذلك:
ما روى أحمد (8045) ، وأبو داود (4158) ، والترمذي (2806) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَع،ْ فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ، وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ، أَوْ الْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ " والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى مسلم (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: " أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ".
قال: وحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي حَبِيبٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ: " وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا".
وروى البيهقي (14580) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: "الصُّورَةُ الرَّأْسُ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلَيْسَ بِصُورَةٍ ".
قال البغوي رحمه الله : " الصور إذا غيرت هيئتها، بأن قطع رأسها، أو حُلت أوصالها، حتى لم يبق منها إلا أثر، لا على شبه الصور، فلا بأس" انتهى من "شرح السنة" (12/ 133).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وجمهور أهل العلم: أن المحرم هو صور الحيوان فقط ، لما ورد في السنن من حديث جبريل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فمر برأس التمثال يقطع، فيصير كهيئة الشجرة .
قوله: (إلا طمستها). إن كانت ملونة: فطمسها بوضع لون آخر يزيل معالمها، وإن كانت تمثالا فإنه يقطع رأسه، كما في حديث جبريل السابق، وإن كانت محفورة ، فيحفر على وجهه حتى لا تتبين معالمه، فالطمس يختلف.
وظاهر الحديث: سواء كانت تُعبد من دون الله أم لا" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (10/ 1036).
واعلم أن المقصود بالرأس ليس الشعر، بل ذلك مع الوجه، بل الوجه هو المقصود الأعظم من الصورة، فإذا طمست ملامحه لم تبق صورة؛ لأن هذا لا يضاهي ما خلق الله.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الذي ما تتبين له صورة ، رغم ما هنالك من أعضاء ورأس ورقبة، ولكن ليس فيه عيون وأنف: فما فيه بأس؛ لأن هذا لا يضاهي خلق الله ".
وقال أيضاً: " إذا لم تكن الصورة واضحة، أي: ليس فيها عين، ولا أنف، ولا فم، ولا أصابع: فهذه ليست صورة كاملة، ولا مضاهية لخلق الله عز وجل " انتهى، "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/ 278، 279).
وبهذا يتبين أن العلماء لم يتجاوزا الحديث، لكن فهموه في ضوء غيره من الأحاديث.
ثانيا:
جمهور الفقهاء على أن التحريم يتعلق بالصورة الكاملة، وأما الصورة الناقصة كصورة الرأس فقط، أو الصورة النصفية، فإنها لا تعد صورة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن قطع رأس الصورة ، ذهبت الكراهة. قال ابن عباس: الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فليس بصورة ، وحكي ذلك عن عكرمة ، وقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل , فقال: أتيتك البارحة , فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل , وكان في البيت ستر فيه تماثيل , وكان في البيت كلب , فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع , فيصير كهيئة الشجر , ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن , ومر بالكلب فليخرج. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن قطع منه ما لا يبقي الحيوان بعد ذهابه ، كصدره أو بطنه ، أو جعل له رأس منفصل عن بدنه ، لم يدخل تحت النهي ، لأن الصورة لا تبقي بعد ذهابه ، فهو كقطع الرأس.
وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده ، كالعين واليد والرجل ، فهو صورة داخلة تحت النهي.
وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس ، أو رأس بلا بدن ، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان ، لم يدخل في النهي; لأن ذلك ليس بصورة حيوان " انتهى من "المغني" (7/ 216).
فقد قاس الفقهاء قطع الصدر أو البطن أو النصف، على قطع الرأس؛ بجامع أن الحياة لا تبقى مع ذلك، فتنتفي المضاهاة.
ويمكن أن يؤخذ هذا المعنى من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ رواه البخاري (5607) ، ومسلم (2108)
فإن هذا يقال لمن صنع، أو رسم ، صورة كاملة ، يُتصور أن تحيا، بخلاف الصورة الناقصة.
وكذلك من قول الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي رواه البخاري (5953) ، ومسلم (2111).
والله أعلم.
تعليق