الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل نصح عمر أبا بكر بعزل خالد - رضي الله عنهم أجمعين- ؟

298277

تاريخ النشر : 29-07-2020

المشاهدات : 9275

السؤال

ما صحة ما نقل الزبير بن بكار عن مالك بن أنس قوله : " قال عمر لأبي بكر : اكتب إلى خالد لا يعطي شيئاً إلا بأمرك، فكتب إليه بذلك ، فأجابه خالد : إما أن تدعني وعملي ، وإلا فشأنك بعملك، فأشار عليه عمر بعزله ، فقال أبو بكر : فمن يجزئ عني جزاء خالد ؟ قال عمر : أنا، قال : فأنت، فتجهز عمر حتى أنيخ الظهر في الدار، فمشى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر فقالوا : ما شأن عمر يخرج وأنت محتاج إليه ؟ وما بالك عزلت خالداً وقد كفاك ؟ قال : فما أصنع ؟ قالوا : تعزم على عمر فيقيم، وتكتب إلى خالد فيقيم على عمله، ففعل ، فلما تولّى عمر كتب إلى خالد أن لا تعطِ شاة ولا بعيراً إلا بأمري ، فكتب إليه خالد بمثل ما كتب إلى أبي بكر . فقال عمر : ما صدقتُ اللهَ إن كنت أشرت على أبي بكر بأمر فلم أنفذه، فعزله، ثم كان يدعوه إلى أن يعمل فيأبى إلا أن يخليه يفعل ما يشاء، فيأبى عمر" ؟

الجواب

الحمد لله.

هذا الأثر: رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (16 / 262)؛ بإسناد رجاله ثقات عن الزبير بن بكار، حدثني محمد بن مسلمة، عن مالك بن أنس، به.

وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه مرسل، فزيد بن أسلم لم يدرك زمن أبي بكر.

والمرسل نوع من أنواع الحديث الضعيف إذا لم يوجد ما يقويه.

وهذا المرسل يتقوى بأنه يحتمل جدا أن زيد بن أسلم أخذه عن والده أسلم، فأبوه مولى عمر، دخل المدينة زمن أبي بكر.

قال التهانوي رحمه الله تعالى:

" مراسيل زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه غالبها عن أبيه عن عمر لأنه من مواليه، وقد تقدم في المقدمة عن ابن حبان ما يدل على قبول مراسيل كبار التابعين؛ لكونهم لا يرسلون إلا عن الصحابة، وعن ابن عبد البر: أن كل من عرف أنه لا يأخذ إلا عن ثقة فتدليسه وترسيله مقبول. انتهى... " انتهى من "إعلاء السنن" (10 / 400).

وقد ورد ما يبين هذا، فروى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (16 / 263) بسند رجاله ثقات: عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال:

( قال عمر لأبي بكر الصديق: تدع خالد بن الوليد بالشام ينفق مال الله، قال فلما توفي أبو بكر قال: سمعت عمر حين توفي أبو بكر يقول: كذبت الله إن كنت أمرت أبا بكر بشيء لا أفعله بعده. فكتب إليه خالد: أما بعد، فإنه لا حاجة لي بعملك فبعث أبا عبيدة بن الجراح ).

وهذا سند رواته ثقات، وفيه هشام بن سعد وهو وإن كان لا يحتج به، إلا أنه ممن يعتبر به في الشواهد والمتابعات.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، ونافع، والمقبري...

قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أحمد: لم يكن بالحافظ.

قلت: حسن الحديث " انتهى من"الكاشف" (2 / 336).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

"هشام بن سعد المدني، أبو عباد، أو أبو سعيد: صدوق له أوهام " انتهى من"تقريب التهذيب" (ص 572).

وقد ورد أيضا ما يشهد لأصل هذا الأمر، وأن عمر قد عزل خالدا، رضي الله عنهما، لأجل اختلاف اجتهادهما في التصرفات المالية.

فروى الإمام أحمد في "المسند" (25 / 245) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ يَعْنِي ابْنَ مُبَارَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ أَبُو شُجَاعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ نَاشِرَةَ بْنِ سُمَيٍّ الْيَزَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ فِي يَوْمِ الْجَابِيَةِ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ:

" ... وَإِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكُمْ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، إِنِّي أَمَرْتُهُ أَنْ يَحْبِسَ هَذَا الْمَالَ عَلَى ضَعَفَةِ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَعْطَاهُ ذَا الْبَأْسِ، وَذَا الشَّرَفِ، وَذَا اللَّسَانَةِ، فَنَزَعْتُهُ، وَأَمَّرْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ.

فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ: وَاللهِ مَا أَعْذَرْتَ يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ، لَقَدْ نَزَعْتَ عَامِلًا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَمَدْتَ سَيْفًا سَلَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَضَعْتَ لِوَاءً نَصَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ قَطَعْتَ الرَّحِمَ، وَحَسَدْتَ ابْنَ الْعَمّ.

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّكَ قَرِيبُ الْقَرَابَةِ، حَدِيثُ السِّنِّ، مُغْضَبٌ مِنْ ابْنِ عَمِّكَ".

قال محققو المسند: "رجاله ثقات".

وجوّد ابن كثير إسناده، فقال رحمه الله تعالى:

" وهذا اسناد جيد وهذا هو السبب الذى اقتضى عزل عمر خالدا عن إمرة الشام؛ لأن خالدا كان يتساهل في إعطاء المال في الغزو، ومستنده في ذلك تسويغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعله في قضية المددي يوم مؤتة؛ من منعه إياه بعض ذلك السلب، والله تعالى أعلم بالصواب " انتهى من "مسند الفاروق" (2 / 478).

كما ورد سبب آخر لعزل عمر لخالد، وهو خشيته رضي الله عنه من تعلق قلوب بعض المسلمين بقوته وخبرته الحربية، فيؤدي هذا التعلق إلى ضعف التوكل على الله تعالى وحده.

فروى ابن سعد في "الطبقات" (3 / 284) عن عَفَّان بْن مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " لَأَعْزِلَنَّ خَالِدَ ابْنَ الْوَلِيدِ، وَالْمُثَنَّى مُثَنَّى بَنِي شَيْبَانَ؛ حَتَّى يَعْلَمَا أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا كَانَ يَنْصُرُ عِبَادَهُ، وَلَيْسَ إِيَّاهُمَا كَانَ يَنْصُرُ ".

وهذا إسناد رواته ثقات؛ إلا أن ابن سيرين ولد في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه، فيكون هذا الخبر من مراسيله.

وأهل العلم يقوون مراسيل ابن سيرين، بل إن ابن عبد البر رحمه الله تعالى نقل الإجماع على ذلك؛ حيث قال رحمه الله تعالى:

"  أجمع أهل العلم بالحديث أن ابن سيرين أصح التابعين مراسل، وأنه كان لا يروي ولا يأخذ إلا عن ثقة، وأن مراسله صحاح كلها، ليس كالحسن وعطاء في ذلك. والله أعلم " انتهى من  "التمهيد" (8 / 301).

ويتقوى هذا المرسل، بمرسل الحسن عند ابن أبي شيبة في "المصنف" (19 / 74)، قال: حَدَّثنا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثنا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: "ل أَنْزِعَنَّ خَالِدًا، وَلأَنْزِعَنَّ الْمُثَنَّى؛ حَتَّى يَعْلَمَا أَنَّ اللهَ يَنْصُرُ دَيْنَهُ، لَيْسَ إِيَّاهُمَا ".

وبما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (19 / 73) عن وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَن أَبِيهِ، قَالَ:

" لَمَّا أَتَى أَبُو عُبَيْدَةَ الشَّامَ حُصِرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ ...

قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبِي: فَإِنِّي لَقَائِمٌ فِي السُّوقِ، إِذْ أَقْبَلَ قَوْمٌ مُبَيَّضِينَ، قَدْ هَبَطُوا مِنَ الثَّنِيَّةِ، فِيهِمْ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانَ يُبَشِّرُونَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ حَتَّى دَخَلْتَ عَلَى عُمَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَبْشِرْ بِنَصْرِ اللهِ وَالْفَتْحِ، قَالَ عُمَرُ: اللهُ أَكْبَرُ، رُبَّ قَائِلٍ: لَوْ كَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ " .

وقد استنبط بعض أهل العلم من سيرة عمر رضي الله عنه، أن في تقديمه لأبي عبيدة تحقيق مصلحة شرعية عظيمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" المتولي الكبير: إذا كان خُلقه يميل إلى اللين، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة؛ وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين؛ ليعتدل الأمر.

ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يؤثر استنابة خالد؛ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤثر عزل خالد واستنابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه؛ لأن خالدا كان شديدا كعمر بن الخطاب، وأبا عبيدة كان لينا كأبي بكر؛ وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من ولاه؛ ليكون أمره معتدلا، ويكون بذلك من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو معتدل؛ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنا نبي الرحمة أنا نبي الملحمة)، وقال: ( أنا الضحوك القتال ). وأمته وسط قال الله تعالى فيهم: ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا )، وقال تعالى: ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ).

ولهذا لما تولى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صارا كاملين في الولاية ، واعتدل منهما ما كان ينسبان فيه إلى أحد الطرفين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من لين أحدها وشدة الآخر، حتى قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (28 / 256 - 257).

فالحاصل؛ أن عمر رضي الله عنه في سعيه لعزل خالد رضي الله عنه، كان يسعى إلى تحقيق ما فيه مصلحة المسلمين في دينهم ودنياهم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب