الحمد لله.
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ، وَلَا تَكْنُوا .
والحديث : رواه الإمام أحمد في "المسند" (35 / 158)، والبخاري في "الأدب المفرد" (963)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8 / 136)، وغيرهم، من طرق:
عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ عُتَيٍّ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ به.
وورد عن أبي بن كعب من طريق آخر؛ رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند؛ "المسند" (35 / 142)؛ حيث قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَبَّاسِ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: عَنْ أُبَيٍّ : " أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى فَأَعَضَّهُ أُبَيٌّ بِهَنِ أَبِيهِ. فَقَالُوا: مَا كُنْتَ فَحَّاشًا! قَالَ: إِنَّا أُمِرْنَا بِذَلِكَ ".
وقد صحح هذا الحديث جمع من أهل العلم ؛ منهم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى؛ كما في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1 / 537 - 538)؛ قال:
" وهذا إسناد رجاله ثقات ، فهو صحيح إن كان الحسن سمعه من عتي بن ضمرة،
فإنه كان مدلسا وقد عنعنه...
وقد وجدت للحديث إسنادا آخر عن أبيّ، فقال عبد الله بن أحمد (5 / 133) :
حدثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي
رضي الله عنه : " أن رجلا اعتزى فأعضه أبي بهن أبيه، فقالوا: ما كنت فحاشا! قال: إنا أمرنا بذلك".
ومن طريق عبد الله رواه الضياء في "المختارة" (1 / 405).
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير محمد بن عمرو الباهلي، وهو ثقة..." انتهى.
وأما ما استشكلته: من عنعنة الحسن البصري رحمه الله تعالى، مع كونه مدلسا؛ فهذا ليس من أسباب الضعف الشديدة التي يهجر من أجلها الحديث، بل هو سبب للضعف الذي يصلح أن يتقوى بروايات أخرى إن وجدت ، والشيخ قواه برواية محمد بن عمرو الباهلي.
مع التنبه إلى أن الشيخ الألباني بعد هذا كان يذهب إلى أن عنعنة الحسن البصري عن التابعين مقبولة ؛ حيث قال رحمه الله تعالى:
" لكن الظاهر أن المراد من تدليسه إنما هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم؛
لأن الحافظ في "التهذيب" أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم يلقهم وكلهم من الصحابة، فلم يذكروا ولا رجلا واحدا من التابعين روى عنه الحسن ولم يلقه، ويشهد لذلك إطباق العلماء جميعا على الاحتجاج برواية الحسن عن غيره من التابعين؛ بحيث إني لا أذكر أن أحدا أعل حديثا ما من روايته عن تابعي لم يصرح بسماعه منه...
هذا ما ظهر لي في هذا المقام. والله سبحانه أعلم " انتهى من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2 / 488).
وأما كون محمّد بن عمرو بن العبّاس الباهليّ وهم الشيخ الألباني فيه فحسبه غيره ممن نص على توثيقه بعض أهل العلم؛ فهذا حق، لكن الشيخ استدرك هذا الوهم في طبعة أخرى للكتاب، حيث قال رحمه الله تعالى في طبعة لا حقة:
" محمد بن عمرو الباهلي، وهو ثقة، روى عنه جمع من الحفاظ كما في "تاريخ بغداد" (3 / 127)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9 / 107)، وهو على شرط "التعجيل" ولم يورده . ولعله ظنه محمد بن عمرو بن العباس المترجم في "التهذيب" كما كنت ظننت أنا في الطبعة السابقة، فجزى الله خيرا الأخ الذي نبهنا إلى ذلك " انتهى من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1 / 538).
فالحاصل؛ أنّ محمّد بن عمرو بن العبّاس الباهليّ ، وإن لم ينص أحد على توثيقه، فإنه كذلك لم يضعفوه ، مع شهرته ورواية جمع من الحفاظ عنه، قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى:
" محمد بن عمرو، هو: محمد بن عمرو بن العباس، أبو بكر الباهلي، وهو من شيوخ الطبري الثقات، أكثر من الرواية عنه، مات سنة 249 " انتهى من "تفسير الطبري – تحقيق أحمد شاكر" (2 / 16).
بل ذكره ابن حبان في كتابه "الثقات" (9 / 107)، وعلى هذا ، فهذه الرواية تعتبر متابعة قوية لعنعنة الحسن البصري؛ لا ينزل معها عن رتبة الحسن إن شاء الله تعالى.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ومتى توبع السيء الحفظ ، بمعتبر؛ كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز، والمستور ، والإسناد المرسل، وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه صار حديثهم حسنا؛ لا لذاته، بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابِع والمتابَع؛ لأن مع كل واحد منهم احتمال أن تكون روايته صوابا، أو غير صواب على حد سواء.
فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم؛ رُجِّح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين، ودل ذلك على أن الحديث محفوظ، فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول... " .
انتهى من "نزهة النظر" (ص 101 - 102).
والحديث صححه أيضا : شعيب الأرناؤوط ، ومن معه في التعليق على صحيح ابن حبان (3153) ، وحسنوه في التعليق على المسند (21233) ، وانظر أيضا للفائدة : تعليق حسين أسد ، على "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (736) .
وللفائدة طالع الجواب رقم : (121823).
والله أعلم.
تعليق