الحمد لله.
المسبوق إذا أدرك الإمام وعليه سجود قبل السلام؛ فإن المالكية فرقوا بين أن يدرك مع الإمام ركعة فأكثر، وبين أن يدرك معه أقل من ركعة.
فإن أدرك معه ركعة فأكثر : فإنه يسجد مع الإمام سجود السهو قبل السلام.
وأما إذا أدرك أقل من ركعة : ففيه خلاف؛ فذهب ابن القاسم إلى أنه لا يسجد سجود السهو الذي قبل السلام مع الإمام ، وهذا المشهور في المذهب، وعللوا ذلك بأنه محض زيادة.
وذهب سحنون إلى أنه يسجد مع الإمام ، لعموم الأمر بمتابعة الإمام، كما يتبعه في التشهد.
قال خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى:
" قوله: ( وَالْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ مَعَ الإِمَامِ قَبْلَ السَّلامِ إِنْ كَانَ لَحِقَ رَكْعَةً.... فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يَتْبَعُهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَتْبَعُهُ ).
أى: إن المسبوق إذا لَحِقَ ركعة فأكثر، وسجد إمامُه قبل السلام، فإنه يسجد معه، سواء حضر السهو أَوْ لا، وهذا هو المشهور ...
قوله: (فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِم: لا يَتْبَعُهُ) : قولُ ابن القاسم هو المشهور .
وقال سحنون: يتبعه؛ لأنه لما دخل مع الإمام ، وجبت متابعته " انتهى من "التوضيح" (1 / 431).
فإذا أخذ المسبوق بقول ابن القاسم المشهور في المذهب، هل يقوم لقضاء ما فاته بمجرد نهاية تشهد الإمام ، وقبل سجوده، أم ينتظر حتى يسجد الإمام ويسلم؟
المتقرر في المذهب أن المسبوق لا يقوم لقضاء ما فاته إلا بسلام الإمام؛ لأنه لا تجوز مخالفته، ولزوم متابعة الإمام إنما تنتهي بسلام الإمام.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (37 / 163):
" وقال المالكية: يقوم المسبوق لقضاء ما فاته ، بعد سلام إمامه، فإن قام له قبل سلام الإمام بطلت صلاته " انتهى.
وفيما وقفنا عليه من كتب المذهب : لم نجدهم تطرقوا إلى هذه المسألة، وإنما ساقوا فقط مذهب ابن القاسم في السجود البعدي؛ هل يقوم المسبوق للقضاء بمجرد سلام إمامه؟ أم ينتظره حتى ينتهي من سجوده البعدي ؟
وأقواله ، وتعليلها في هذه المسألة : تدل على أنّ المسبوق الذي يدرك أقل من ركعة عليه أن ينتظر إمامه حتى ينتهي من سجود السهو القبلي ، ويسلّم.
قال ابن يونس الصقلي رحمه الله تعالى:
" ومن المدونة قال مالك: ومن عقد مع الإمام ركعة فوجب على الإمام سجود سهو، فإن كان قبل السلام سجد معه قبل القضاء، ويجزئه، ولا يعيده قبل سلامه هو لنفسه، قال: وإن كان سهو الإمام بعد السلام، فلا يسجد معه حتى يقضي، قال: ولينهض المأموم للقضاء ، إن شاء ، حين يسلم الإمام من الصلاة ، أو من السجود، فإن جلس المأموم حتى يسلم الإمام من سهوه ، فلا يتشهد، وليذكر الله تعالى.
قال ابن القاسم: وأحب إليّ أن يقوم بعد سلام الإمام من الصلاة؛ لأن الإمام قد انقضت صلاته حين سلم ...
قال ابن القاسم في العتبية: اختلف قول مالك في قيامه للقضاء، فقال مرة: يقوم بعد سلام الإمام من الصلاة، وقال مرة: بعد سلامه من سجود السهو، وهذا أحب إليّ؛ لأن قيامه وحده والإمام ساجد سماجة ، وشهرة " انتهى من"الجامع لمسائل المدونة" (2 / 825 - 826).
فالحاصل :
أن المسبوق الذي يأخذ بقول ابن القاسم المشهور في المذهب، وسجد إمامه للسهو قبل السلام لا يقوم لإتمام صلاته إلا بعد سلام الإمام .
والله أعلم.
تعليق