الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حكم اللهو في أوقات الفراغ

299146

تاريخ النشر : 30-03-2019

المشاهدات : 35056

السؤال

هل يحق للمؤمن أن يقضي أوقات فراغه فيما يريد طالما لا يفعل شيئاً يخالف شرع الله ، وطالما هو مواظب علي جميع العبادات ؟ أم إنه سيعاقب علي لعبه ولهوه ؟

الجواب

الحمد لله.

المسلم مأمور بفعل الواجبات قدر استطاعته ، وترك جميع المحرمات؛ فإن فعل ذلك فقد أفلح، وإن لم يستكثر من نوافل الطاعات.

 عَنْ جَابِرٍ: "  أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟

قَالَ: (نَعَمْ)

قَالَ: وَاللهِ! لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا " رواه مسلم (15).

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" فهذا الحديث يدل على أن من قام بالواجبات، وانتهى عن المحرمات دخل الجنة، وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، أو ما هو قريب منه " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1 / 514).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" ومحبة النفوس للباطل نقص، لكن ليس كل الخلق مأمورين بالكمال، ولا يمكن ذلك فيهم، فإذا فعلوا ما به يدخلون الجنة ، لم يحرم عليهم ما لا يمنعهم من دخولها " انتهى من "الاستقامة" (2 / 156).

وقال:

" فإن الله سبحانه لا يعاقب على ما أباح، وإنما يعاقب على ترك مأمور وفعل محذور " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 / 137).

وبناء على هذا؛ فإن المسلم في وقت فراغه من دراسته أو عمله؛ إذا شغله بالمباحات ، من غير تضييع لواجب ، أو ارتكاب لمحرم؛ فإنه ينظر:

إن كانت هذه المباحات مما لها نفع معتبر في الدنيا؛ فهذه محمودة ، وإذا أحسن النية فيها أثيب عليها ؛ كأن يمارس شيئا من الرياضة المباحة، أو ينام لأجل الراحة، أو يشاهد شيئا نافعا لا محرم فيه، أو يتمشى للنزهة، أو يزور صديقا أو قريبا حتى يجم نفسه ويرجع إلى دراسته أو عمله نشيطا.

وإنما ذم العلماء من اشتغل بمباح لا نفع فيه.

قال الشاطبي رحمه رحمه الله تعالى:

" وكذلك اللهو واللعب ، والفراغ من كل شغل ، إذا لم يكن في محظور ، ولا يلزم عنه محظور:  فهو مباح، ولكنه مذموم ، ولم يرضه العلماء، بل كانوا يكرهون أن لا يُرى الرجل في إصلاح معاش، ولا في إصلاح معاد؛ لأنه قطع زمان فيما لا يترتب عليه فائدة دنيوية ولا أخروية... " انتهى من "الموافقات" (1 / 204 - 205).

وهذا الذم ليس على سبيل التحريم ، وإنما هو إرشاد للمسلم لما ينبغي أن يكون عليه من الانشغال بمعالي الأمور والبعد عن سفاسفها .

ولذلك قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" وسائر اللعب، إذا لم يتضمن ضررا، ولا شغلا عن فرض، فالأصل إباحته " انتهى من "المغني" (14 / 157).

فلا يحرم شيء من الألعاب إلا ما قام عليه دليل، وهذا متأكد بقاعدة: أن الأصل في الأشياء الحل والاباحة.

قال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى:

" ذكر بعضهم أن أصل قاعدة مذهبنا "أن اللهو واللعب أصلهما على الإباحة، خلافًا لمالك".

وهذه العبارة لا أعرف أحدا من الأصحاب قالها؛ ولكنها قضية أن أصول الأشياء على عدم التحريم " انتهى من " الأشباه والنظائر" (1 / 430).

فالحاصل؛ أن الأصل في اللهو واللعب الإباحة، إذا لم يشتمل على محرم، ولم يؤد إليه.

فبعض الطلاب يسرفون في اللهو واللعب إلى حد التقصير في المذاكرة ، وما يتبعه من ارتكاب الغش للتخلص من النتائج المتدنية، أو إغضاب الوالدين وعقوقهما بترك المذاكرة.

وبعض الموظفين يسرف  بعد الدوام في اللهو واللعب إلى وقت متأخر، ثم في الصباح يذهب إلى عمله في حالة خمول ، فيقصر في أداء واجباته المكلف بها، فهذا كله منهي عنه.

والأولى بالمسلم أن يشغل نفسه بالمباح النافع ، وأن يغتنم عمره ، فيما ينفعه ، في أمره دينه ، ودنياه، وليكن لهوه ، ومرحه ، ولعبه : عونا له على الحق الذي يسعى في طلبه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب