الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

حكم الأكل من طعام اشتري وقت صلاة الجمعة

299197

تاريخ النشر : 14-03-2019

المشاهدات : 13103

السؤال

ما حكم الأكل من طعام تمّ شراؤه وقت صلاة الجمعة ، علما بأن المشتري تجب عليه صلاة الجمعة ؟

الجواب

الحمد لله.

اتفق أهل العلم على النهي عن التجارة بالبيع والشراء إذا أذّن الاذان الثاني لصلاة الجمعة.

قال الله تعالى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ  الجمعة/9.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) أي: اسعوا إلى ذكر الله واتركوا البيع إذا نودي للصلاة.

ولهذا اتفق العلماء على تحريم البيع بعد النداء الثاني " انتهى من "تفسير ابن كثير" (8 / 122).

وقال ابن العربي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ): وهذا مجمع على العمل به، ولا خلاف في تحريم البيع...

لأن البيع إنما منع للاشتغال به، فكل أمر يشغل عن الجمعة من العقود كلها، فهو حرام شرعا " انتهى من "أحكام القرآن" (1805 - 1806).

لكن مع القول بتحريم البيع في هذا الوقت؛ إلا أن أهل العلم اختلفوا في صحته:

فمن ذهب إلى أن النهي الراجع إلى أمر خارج عقد البيع لا يقتضي الفساد؛ فإنه قال بصحة البيع ، مع إثم صاحبه؛ ومعنى هذا : أن ما اشتراه هذا الرجل بعد النداء الثاني لصلاة الجمعة ، يصبح ملكا له ، ويصح التصرف فيه بالأكل والتصدق ونحو هذا، وهذا مذهب الحنفية والشافعية.

وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن ما يشتريه الرجل بعد النداء الثاني لصلاة الجمعة يكون عقده باطلًا ، ولا يصح  شرعا أن يتملكه؛ لأن النهي يقتضي الفساد؛ وهذا مذهب المالكية والحنابلة.

قال ابن رشد:

" وهذا أمر مجمع عليه فيما أحسب، أعني: منع البيع عند الأذان الذي يكون بعد الزوال ، والإمام على المنبر.

واختلفوا في حكمه إذا وقع هل يفسخ أم لا؟...

فالمشهور عند مالك : أنه يفسخ، وقد قيل: لا يفسخ، وهذا مذهب الشافعي، وأبي حنيفة.

وسبب الخلاف كما قلنا غير ما مرة: هل النهي الوارد لسبب من خارج : يقتضي فساد المنهي عنه ؟ أو لا يقتضيه؟ " انتهى من "بداية المجتهد" (3 / 327).

فتبين بهذا :

أن في صحة هذا البيع خلافا بين العلماء ، فمن صححه أجاز للمشتري الأكل منه ، ومن أفسده أوجب عليه رده ، وحرم عليه الأكل منه ، لأن العقد الفاسد لا يترتب عليه أثره ، من انتقال ملك السلعة إلى المشتري ، وانتقال ملك الثمن إلى البائع .

فإن تعذر الرد ، أو كان العاقد يرجح صحة العقد ، أو يقلد من يفتي بذلك ، فإنه يحكم بصحة العقد ، ويحل له ولغيره الانتفاع بما اشتراه .

ينظر جواب السؤال رقم : (184263) ، كما ينظر "مجموع الفتاوى" (29/411-413) .

هذا إذا كان السؤال عن انتفاع المشتري نفسه بما اشتراه .

أما إذا كان السؤال عن انتفاع غير المشتري بما اشتراه المشتري ، فإنه يجوز له ذلك ، لأن التحريم حينئذ يتعلق بالعاقد وحده ، ولا يتعلق بمن انتقل إليه هذا الطعام بطريق مباح ، كالهدية أو إطعام الرجل لأولاده وأهل بيته ونحو ذلك  .

روى عبد الرزاق في "المصنف" (8 / 150) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارًا يَأْكُلُ الرِّبَا، وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْعُونِي؟

فَقَالَ: "مَهْنَؤُهُ لَكَ، وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ ".

وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" رجل علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق؟

فأجاب:

 الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام: إن كان حراما بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص: فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه الشاة وذبحها فلا تأكل، ولا تجب دعوته.

أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك فكل، والإثم عليه هو.

ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود ، وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاة في خيبر مسمومة ليموت ، ولكن الله عصمه من ذلك إلى أجل مسمى.

دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه وأكل، اشترى من يهودي طعاما لأهله وأكله هو وأهله. فليأكل والإثم على والده " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (188 / 14).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب