الحمد لله.
لا يحل الجمع بين السلف والبيع، ولو كان البيع دون محاباة في الثمن؛ لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَحل سَلَفٌ وبيعٌ رواه الترمذي (1234) ، وأبو داود (3504) ، والنسائي (4611) ، وصححه الترمذي ، والألباني.
قال الخطابي رحمه الله: " وذلك مثل أن يقول له: أبيعك هذا العبد بخمسين دينارا، على أن تسلفني ألف درهم، في متاع أبيعه منك إلى أجل، أو يقول: أبيعكه بكذا، على أن تقرضني ألف درهم، ويكون معنى السلف: القرض، وذلك فاسد؛ لأنه إنما يقرضه على أن يحابيه في الثمن فيدخل الثمن في حد الجهالة، ولأن كل قرض جَرَّ منفعة فهو ربا" انتهى من "معالم السنن" (3/ 141).
فالشريعة منعت ذلك سدا لذريعة الربا؛ لأن المقرض إذا كان هو البائع، فقد يزيد في الثمن، في مقابل القرض. وإذا كان هو المشتري فإنه يأخذ السلعة برخص، في مقابل أنه أقرضه.
وإذا وقعت المحاباة بالفعل، كانت ربا. وإذا لم تقع، حرم الإقدام على العقد، سدا للذريعة.
وقد حُكي الإجماع على تحريم الجمع بين السلف والبيع.
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولو باعه بشرط أن يسلفه أو يقرضه، أو شرط المشتري ذلك عليه، فهو محرم، والبيع باطل. وهذا مذهب مالك والشافعي ولا أعلم فيه خلافا، إلا أن مالكا قال: إن ترك مُشتَرِط السلفِ السلفَ: صح البيع" انتهى من "المغني" (4/ 177).
وقال القرافي رحمه الله: " وبإجماع الأمة على جواز البيع والسلف مفترقين، وتحريمهما مجتمعَين؛ لذريعة الربا" انتهى من "الفروق" (3/ 266).
والجمهور على تحريم الجمع بين: السلف، وكل عقد معاوضة، كالإجارة والسمسرة وغيرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "القواعد النورانية" (211) : " والمنع من هذه الحيل: هو صحيح قطعا ، لما روى عبد الله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك ) رواه الأئمة الخمسة : أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
فنهى صلى الله عليه وسلم عن أن يجمع بين سلف وبيع , فإذا جمع بين سلف وإجارة فهو جمع بين سلف وبيع، أو مثله .
وكل تبرع يجمعه إلى البيع والإجارة: مثل الهبة والعارية والعرِيّة والمحاباة في المساقاة والمزارعة وغير ذلك: هو مثل القرض.
فجماع معنى الحديث: أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع؛ لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة، لا تبرعا مطلقا ; فيصير جزءا من العوض، فإذا اتفقا على أنه ليس بعوض، جمعا بين أمرين متباينين ; فإن من أقرض رجلا ألف درهم ، وباعه سلعة تساوي خمسمائةً بألفٍ؛ لم يرض بالإقراض، إلا بالثمن الزائد للسلعة; والمشتري لم يرض ببذل ذلك الثمن الزائد، إلا لأجل الألف التي اقترضها ; فلا هذا باع بيعًا بألف، ولا هذا أقرض قرضا محضا، بل الحقيقة أنه أعطاه الألف والسلعَةَ، بألفين" انتهى.
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/ 113) : " الوجه الثاني والعشرون : أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يجمع الرجل بين سلف وبيع ). ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح , وإنما ذاك لأن اقتران أحدهما بالآخر، ذريعة إلى أن يقرضه ألفا ، ويبيعه سلعة تساوي ثمانمائة بألف أخرى ; فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثمانمائة ، ليأخذ منه ألفين , وهذا هو معنى الربا , فانظر إلى حمايته الذريعة إلى ذلك بكل طريق " انتهى.
وقال الدكتور عبد الله بن محمد العمراني في "المنفعة في القرض" ص 198: " يتبين أن مجرد اشتراط عقد البيع، ونحوه من عقود المعاوضات، في عقد القرض : محرم ؛ لورود النص به ، بسبب كونه ذريعة إلى القرض الربوي، مع أن المنفعة احتمالية ، ومتوقعة، وذلك أنه ربما يزاد في الثمن ، وربما لا يزاد ؛ ولكن الغالب أن يزاد، وهذا مما يكثر القصد إليه عند من يتعاقد بهذه الصفة " انتهى.
والحاصل : أنه إن حصلت المحاباة، أو الزيادة في الثمن، كان التحريم لأجل أنه ربا.
وإن لم يحصل، كان التحريم سدا لذريعة الربا.
والله أعلم.
تعليق