الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

لماذا قديما كانوا يسمون كتاب سنن البيهقي بالسنن الكبير ، وفي عصرنا يسمى السنن الكبرى ؟

300471

تاريخ النشر : 13-02-2019

المشاهدات : 16967

السؤال

لماذا العلماء في السابق كانوا يسمون سنن البيهقي بالسنن الكبير للبيهقي ، ونحن في الوقت الحاضر نسميه السنن الكبرى للبيهقي ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

"السنن الكبير" : نعم ؛ هذا هو اسمه الأشهر ، والأكثر تداولا في كتب أهل العلم قديما .

وبهذا العنوان سماه المحققون من أهل العلم، عند ذكر كتبه.

كما في قول الذهبي رحمه الله تعالى:

" وعمل كتبًا لم يسبق إلى تحريرها؛ منها "الأسماء والصفات" وهو مجلدان، و "السنن الكبير" عشر مجلدات " انتهى من "تذكرة الحفاظ" (3 / 219).

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وجمع أشياء كثيرة نافعة جدا، لم يسبق إلى مثلها، ولا يدرك فيها؛ من ذلك كتاب "السنن الكبير"... " انتهى من "البداية والنهاية" (16 / 9).

وقال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى:

" ثم اشتغل بالتصنيف بعد أن صار أوحد زمانه، وفارس ميدانه، وأحذق المحدثين، وأحدهم ذهنا، وأسرعهم فهما، وأجودهم قريحة، وبلغت تصانيفه ألف جزء، ولم يتهيأ لأحد مثلها.

أما "السنن الكبير" فما صنف في علم الحديث مثله، تهذيبا، وترتيبا، وجودة " انتهى من "طبقات الشافعية" (4 / 9).

وابن الصلاح رحمه الله تعالى كانت له عناية خاصة بهذا الكتاب، وكان يسميه بهذا الاسم، كما في كتابه "معرفة أنواع علم الحديث" (ص 91) و(ص 359)، وفي مواضع كثيرة من كتابه "شرح مشكل الوسيط".

والنسخة التي بين أيدينا من "السنن" ، مروية من طريق ابن الصلاح ، رحمه الله، كما هو ظاهر في سماعات الكتاب ، وروايته ، في نهاية المجلد الأخير منه .

ونص محققو كتاب "سنن البيهقي" طبعة مركز هجر أن اسم "السنن الكبير" هو المشهور في نسخه الخطية؛ حيث قالوا:

" ولا بد أن نشير هنا إلى أن الكتاب وقد طبع من قبل باسم "السنن الكبرى" وعرف بذلك واشتهر، لكن لما دققنا في الصحيح من ذلك ، وجدنا أن نسخه الخطية تكاد تجمع على تسميته "السنن الكبير" ، وبخاصة نسخة الأصل التي هي نسخة أبي عمرو ابن الصلاح وبقراءته وتصحيحه، وكذلك العلماء الذين ترجموا للبيهقي ، وذكروا مصنفاته، فقد أوردوه ، إلا القليل جدا باسم "السنن الكبير" .

فكان الأصوب أن نسمي الكتاب باسمه الصواب ، وهو : "كتاب السنن الكبير"  انتهى من"السنن الكبير" (1 / 62).

بل إن النسخة الهندية ، التي طبعت باسم (السنن الكبرى) ، جاء في خاتمتها، بعد الباب الأخير من كتاب العتق : " آخر كتاب السنن الكبير " . اهـ .

وأما شهرته في عصرنا باسم "السنن الكبرى" فلأن طبعته الأولى الطبعة الهندية سنة (1344 هـ ) طبعت بهذا الاسم، فلعل النسخ الخطية التي وصلتهم كانت بهذا الاسم، وخاصة أن كتاب "الجوهر النقي" لابن التركماني الذي طبعوه في هامش الكتاب : ورد في مقدمته تسمية السنن بهذا الاسم، حيث قال ابن التركماني رحمه الله تعالى:

" فهذه فوائد علقتها على "السنن الكبرى" للحافظ أبي بكر البيهقي رحمه الله تعالى... " انتهى من "السنن الكبرى" (1 / 3).

وهذا يبين أن اسم "السنن الكبرى" كان معروفا في القديم أيضا ، وليس في عصرنا هذا فقط، فنجده بهذا الاسم في مواضع كثيرة من مصنفات الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ، كما وقع في "فتح الباري" (1 / 134)، و (2 / 6)، ومن قبله النووي رحمه الله تعالى فكان يسميه في بعض كتبه باسم "السنن الكبير" ، وفي مواضع باسم "السنن الكبرى".

ثانيا:

والذي يظهر لنا أن الإمام البيهقي، رحمه الله : لم يضع لكتابه (السنن) أيا من هذين الوصفين، فلم يقل عنه إنه (السنن الكبرى) ، ولا (السنن الكبير)، ولم يذكر أيا من هذه الأسماء، لا في أول كتابه، ولا في آخره، ولا في سماعاته المدونة عليه؛ وإنما وصفه بأنه: (سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم)، فقال : " ثُمَّ خَرَّجْتُ بِعَوْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سُنَنَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا احْتَجْنَا إِلَيْهِ مِنْ آثَارِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " انتهى من "معرفة السنن والآثار" (1/209).

ثم أحال على كتابه هذا باسم (السنن) فقط ، في نفس الموضع، فقال :

" وَوَقَعَ الْكِتَابُ الثَّانِي وَهُوَ(كِتَابُ السُّنَنِ) إِلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَعْدَ مَا أَنْفَقَ عَلَى تَحْصِيلِهِ شَيْئًا كَثِيرًا. فَارْتَضَاهُ وَشَكَرَ سَعْيِي فِيهِ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ حَمْدًا يُوَازِيهَا وَعَلَى سَائِرِ نِعْمَتِهِ حَمْدًا يُكَافِيهَا " انتهى من "معرفة السنن" (1/209) .

ثم أحال عليه بهذا الاسم (السنن)، فقط ، دون إضافة، أو وصف ، في مواضع كثيرة من كتبه، فمن ذلك قوله :

"وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ إِسْلاَمَ مَنْ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِ أَبَوَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ أَوْلاَدِ الصَّحَابَةِ". انتهى من "شعب الإيمان" (1/185) وانظر أيضا: (1/187) ، (2/396) وغيرها كثير.

وفي "السنن الصغرى" يقول (3/222) : "  وقصة أبي يوسف مع مالك في هذا [ يعني: في صاع النبي صلى الله عليه وسلم ] قد أخرجتها في  كتاب السنن " .نتهى .

ويقول أيضا (8/361): "وروي في تفسير الاستغسال في قصة سهل بن حنيف قد ذكرناه  في كتاب السنن" انتهى.

ومثل هذا في مواضع كثيرة جدا، من كتابه "معرفة السنن والآثار" ، وقد أشرنا إلى موضع منها آنفا .

والحاصل:

أن الإمام البيهقي رحمه الله ، لم ينص على تسمية كتابه (السنن) ، لا في أوله ، ولا في آخره .

لكنه سماه باسم (السنن) فقط في كتبه الأخرى الكبار .

ووصفه في موضع منها بأنه خرج (سنن المصطفى..) ؛ ولا يظهر لنا أن هذه تسمية لقبية لكتابه ، كما ذهب إليه الشيخ محمد عوامة في مقدمة "المدخل إلى علم السنن" (1/7) ، وإنما هذا وصف لمضمون الكتاب.

وقد نص على اسم كتابه (السنن) فقط ، في مواضع كثيرة جدا من كتبه، ولم ينص على تسمية سواها ، ولا وصفه في أي من كتبه بأنه ( .. الكبرى ) ولا ( .. الكبير) .

وإنما هذه تسميات إضافية ، وأوصاف لكتابه ، تداولها أهل العلم ، تمييزا لكتابيه (السنن) عن بعضهما؛ فأكبرهما ، وأشهرهما : أطلق عليه ( الكبير ) وهذا وصف للكتاب ، وهو وصف مطابق ، وجار على قواعد اللغة .

وسمي أيضا بـ ( الكبرى ) ، وهذا وصف للسنن المجموعة في الكتاب ، كما وصف بذلك (السنن) للنسائي ، وكما وصفت (الأحكام الكبرى) لعبد الحق ، وغيرها من الكتب والمجموعات المصنفة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب