الحمد لله.
الجواب :
الحديث المذكور أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (47 /375) عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن عيسى بن مريم أمسك عن الكلام بعد إذ كلمهم طفلاً ، حتى إذا بلغ ما يبلغ الغلمان ، ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان ، قال: فأكثر اليهود فيه وفي أمه من قول الزور ، فكان عيسى يشرب اللبن من أمه ، فلما فطم أكل الطعام وشرب الشراب حتى بلغ سبع سنين ، فكانت اليهود تسميه ابن البغية ، فذلك قول الله تعالى : ( وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً ) .
فلما بلغ سبع سنين أسلمته أمه للكتاب عند رجلٍ من الكتبيين يعلمه كما يعلم الغلمان ، فلا يعلمه شيئاً إلا بدره عيسى إلى علمه قبل أن يعلمه إياه ، فعلمه أبا جاد ، فقال عيسى : ما أبجد ؟ قال المعلم : لا أدري ، فقال عيسى : فكيف تعلمني ما لا تدري ؟ فقال المعلم : إذاً فعلمني ، فقال له عيسى : فقم من مجلسك فقام فجلس عيسى مجلسه ، فقال : سلني. فقال المعلم : فماذا أبجد ؟ فقال عيسى : الألف آلاء الله ، باء بهاء الله ، جيم بهجة الله وجماله - زاد في غيره : دال الله الدائم - فعجب المعلم من ذلك ، فكان أول من فسر أبجد عيسى بن مريم.
قال : وسأل عثمان بن عفان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : يا رسول الله ، ما تفسير ابجد ؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تعلموا تفسير ابجد ، فإن فيه الأعاجيب كلها ، ويل لعالمٍ جهل تفسيره ! فقيل: يا رسول الله وما أبجد ؟ فقال : أما الألف آلاء الله ، حرفٌ من أسماءه ؛ وأما الباء فبهجة الله وجلال الله ؛ وأما الجيم فمجد الله ، وأما الدال فدين الله ؛ وأما هوز ، فالهاء الهاوية ، فويل لمن هوى فيها ، وأما الواو فويل لأهل النار ، وأما الزاي فالزاوية ، فنعوذ بالله مما في الزاوية ، يعني زوايا جهنم ؛ وأما حطي ، فالحاء حطوط خطايا المستغفرين في ليلة القدر ، وما نزل به جبريل مع الملائكة إلى مطلع الفجر ، وأما الطاء فطوبى لهم وحسن مآب ، وهي شجرة غرسها الله بيده ، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة ، نبتت بالحي والحلل ، والثمار متدلية على أفواههم ، فطوبى لهم وحسن مآب ، وأما الياء فيد الله فوق خلقه سبحانه وتعالى عما يشركون ؛ وأما كلمن ، فالكاف كلام الله ، لاتبديل لكلماته ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) وأما اللام فإلمام أهل الجنة بينهم بالزيارة ، والتحية والسلام ، وتلاوم أهل النار بينهم ، وأما الميم فملك الله الذي لا يزول ، ودوام الله الذي لا يفنى ، وأما نون فنون ( والقلم وما يسطرون ) فالقلم قلمٌ من نور وكتابٌ من نور ، في لوحٍ محفوظ يشهده المقربون ، وكفى بالله شهيدا ؛ يعني الجزاء بالجزاء وكما تدين تدان ، والله لا يريد ظلماً للعباد ؛ وأما قريشات ، يعني قرشهم يجمعهم يوم القيامة يقضي بينهم وهم لا يظلمون...) انتهى.
وهذا الحديث باطل مكذوب ؛ لا يحتج به ، ولا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز نشره إلا من جهة بيان كذبه وبطلانه .
وقد روي من طرق كلها واهية ، في أسانيدها رواة كذابون ، ومجاهيل ، ومتروكون .
فقد روي من طريق إسحاق بن بشر، أنبأنا جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنه...
وإسحاق بن بشر : كذاب .
قال الذهبي : " إسحاق بن بشر ، أبو حذيفة البخاري صاحب كتاب المبتدأ ؛ تركوه ، وكذبه علي بن المديني.
وقال ابن حبان : لا يحل حديثه إلا على جهة التعجب.
وقال الدارقطني : كذاب متروك.
انتهى من "ميزان الاعتدال" (1/ 184).
وقال ابن عدي : "هذا الحديث باطل بهذا الاسناد" انتهى من "تاريخ دمشق" (47 /375).
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا الحديث طرقا أخرى وبين أنها كلها واهية لا يحتج بها .
فذكر أنه روي من طريق عبد الرحيم بن واقد، قال حدثني الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما ...
وعبد الرحيم بن واقد يروي عن الضعفاء والمجاهيل.
قال الخطيب : " في حديثه مناكير لأنها عن ضعفاء ومجاهيل ".
والفرات بن السائب : مجهول .
وينظر : "ميزان الاعتدال" (2/607).
وروي من طريق إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي مليكة عمن حدثه عن ابن مسعود ، ومسعر بن كدام عن أبي سعيد رضي الله عنه.....
وإسماعيل بن يحيى هذا يقال له : التيمي ؛ كوفي ، معروف بالكذب .
ورواية إسماعيل بن عياش في غير الشاميين لا يحتج بها ؛ فهو ضعيف فيما ينقله من أهل الحجاز وأهل العراق ، بخلاف ما ينقله عن شيوخه الشاميين ؛ فإنه حافظ لحديث أهل بلده ، كثير الغلط في حديث أولئك . وعبد الرحمن بن واقد لا يحتج به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم من تفسير اب ت ث ، وتفسير أبجد هوز حطي ، ويروونه عن المسيح أنه قاله لمعلمه في الكتاب ، هذا كله من الأحاديث الواهية بل المكذوبة. ولا يجوز باتفاق أهل العلم بالنقل أن يحتج بشيء من هذه ، وإن كان قد ذكرها طائفة من المصنفين في هذا الباب ، كالشريف المزيدي والشيخ أبي الفرج وابنه عبد الوهاب وغيرهم. وقد يذكر ذلك طائفة من المفسرين والمؤرخين ، فهذا كله عند أهل العلم بهذا الباب باطل لا يعتمد عليه في شيء من الدين ".
انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/ 58).
ثم ذكر شيخ الإسلام أن ابن جرير الطبري رحمه الله قال : " ولو كانت الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صحاح الأسانيد ، لم يعدل عن القول بها إلى غيرها ، ولكنها واهية الأسانيد غير جائز الاحتجاج بمثلها ".
انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/ 61).
والله أعلم.
تعليق