الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

مقارنة نصيب الأنثى بنصيب الذكر في الميراث

301192

تاريخ النشر : 02-05-2020

المشاهدات : 17455

السؤال

انتشر على الفيس بوك أن القسمة الواجبة: للذكر مثل حظ الانثيين ٤ حالات. الأنثى أكثر من الذكر ١٤ حالة . يرث الذكر بالفرض ٦ حالات . ترث الأنثى بالفرض ١٥ حالة . التساوي بين الذكر والأنثى ٣٠ حالة .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

هذا التقسيم من حيث الجملة صحيح ، إذا لم ننظر إلى جهة القرابة ودرجتها وقوتها -ومن غير قطع بصحة الأرقام المذكورة ، لأن مسائل الميراث لا يصح حصرها في هذا العدد ..

لكن .. إذا نظرنا إلى جهة القرابة ودرجتها وقوتها : نجد أن هذه الصفات الثلاثة إذا اتحدت فإن الذكر يفضل على الأنثى ، بإجماع أهل العلم، واتفاق المسلمين على العمل به ، جيلا بعد جيل، وهو من أظهر الأمور العلمية في معاملات الناس. وقد ورد النص على هذا صريحا في آيات المواريث في أكثر من موضع ، بحيث لا يمكن لمسلم أن ينكرها أو يتأولها على خلاف ما دلت عليه دلالة قطعية .

فالأولاد ، ذكورا وإناثا : نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى. قال الله تعالى :   يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ  النساء/11.

وكذا الإخوة الأشقاء أو لأب ، ذكورا وإناثا، قال الله تعالى :  وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ   النساء /176.

والأب والأم حينما ينفردان بالميراث فيكون للأم الثلث وللأب الباقي "الثلثان"، قال الله تعالى   فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ  النساء/12.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" أن ينفرد الأبوان بالميراث، فيفرض للأم -والحالة هذه -الثلث ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض، ويكون قد أخذ ضعفي ما فرض للأم، وهو الثلثان " انتهى من"تفسير ابن كثير" (2 / 227).

وكذا ميراث الزوجين، أحدهما من الآخر.

قال الله تعالى:  وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ   النساء/12.

وإنما الواجب، والفرض المتعين على المسلم، أمام حكم الله تعالى أن يبادر أولا إلى التسليم به، وإن جهل حكمته، فهذا من مواقف اختبار الإيمان ومدى ثباته في القلب، والله تعالى يختبر عباده بما شاء.

قال الله تعالى:  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا  الأحزاب/36.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد هاهنا، ولا رأي ولا قول، كما قال تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).

وفي الحديث: ( والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ).

ولهذا شدد في خلاف ذلك، فقال: ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا )، كقوله تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 / 423).

وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى:

"اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله، على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به، ونهاها عنه، وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك " انتهى من "شرح الطحاوية" (ص 261).

وليوقن المؤمن أن حكم الله تعالى فيه كل الهدى ، والضلال كل الضلال في الاعتراض على حكم الله تعالى أو التشكيك فيه، كما بيّن الله تعالى ذلك بعد بيانه لأحكام الميراث؛ حيث بيّن أن الضلال في الإعراض عن هذه القسمة الشرعية؛ حيث قال تعالى:

 وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ   النساء/176.

والله سبحانه هو الخالق الخبير بعباده العليم بما يصلحهم، فلا شك أن له في كل أمر، وكل حكم، حكمة بالغة.

وهذه الحكمة قد ييسر الله تعالى لعباده الاطلاع على شيء منها، ومن ذلك : تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ، فمن تمعّن هذا التفضيل رأى أنه الموافق لما فطر عليه الخلق، وهو الموافق للعقل الباقي على فطرته.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: تفضيله الذكر على الأنثى في الميراث، كما قال تعالى: ( وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).

وقد صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه يبين لخلقه هذا البيان الذي من جملته تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث لئلا نضل، فمن سوى بينهما فيه فهو ضال قطعا.

ثم بين أنه أعلم بالحكم والمصالح، وبكل شيء من خلقه، بقوله: ( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )، وقال: ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) الآية.

ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها: تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث الذي ذكره الله تعالى؛ كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) أي: وهو الرجال ( عَلَى بَعْضٍ )، أي وهو النساء.

وقوله: ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )، وذلك لأن الذكورة كمال خلقي، وقوة طبيعية، وشرف وجمال، والأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي، كما هو محسوس مشاهد لجميع العقلاء، لا يكاد ينكره إلا مكابر في المحسوس...

فإذا عرفت من هذه الأدلة: أن الأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي، فاعلم أن العقل الصحيح الذي يدرك الحكم والأسرار، يقضي بأن الناقص الضعيف بخلقته وطبيعته، يلزم أن يكون تحت نظر الكامل في خلقته، القوي بطبيعته، ليجلب له ما لا يقدر على جلبه من النفع، ويدفع عنه ما لا يقدر على دفعه من الضر، كما قال تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ).

وإذا علمت ذلك: فاعلم! أنه لما كانت الحكمة البالغة، تقتضي أن يكون الضعيف الناقص مَقُوما عليه من قبل القوي الكامل، اقتضى ذلك أن يكون الرجل ملزما بالإنفاق على نسائه، والقيام بجميع لوازمهن في الحياة، كما قال تعالى: ( وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )، ومال الميراث ما مسحا في تحصيله عرقا، ولا تسببا فيه البتة، وإنما هو تمليك من الله ، ملكهما إياه تمليكا جبريا، فاقتضت حكمة الحكيم الخبير أن يؤثر الرجل على المرأة في الميراث ، وإن أدليا بسبب واحد؛ لأن الرجل مترقب للنقص دائما ، بالإنفاق على نسائه، وبذل المهور لهن، والبذل في نوائب الدهر، والمرأة مترقبة للزيادة ، بدفع الرجل لها المهر، وإنفاقه عليها وقيامه بشئونها، وإيثار مترقب النقص دائما ، على مترقب الزيادة دائما لجبر بعض نقصه المترقب: حكمته ظاهرة واضحة، لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي، ولذا قال تعالى: ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ). " انتهى من "أضواء البيان" (3/ 497  - 500).

ولمزيد الفائدة راجع الجواب لرقم : (12840)، ورقم : (288330)، ورقم : (145802).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب