الحمد لله.
أولاً :
ليس لصلاة الجمعة سنة راتبة قبلها ، وهو مذهبُ المالكيَّة ، والحنابلة ، ووجه عند الشافعية ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة ، وابن القيِّم ، وابنِ حجرٍ العسقلانيِّ وغيرهم .
وذهب الحنفية إلى أنه تسن الصلاة قبل الجمعة ، وفي وجه للشافعية رجحه النووي في "المجموع" (4/9) أنه : " تسن قبلها وبعدها صلاة ، وأقلها ركعتان قبلها ، وركعتان بعدها ، والأكمل أربع قبلها وأربع بعدها " انتهى.
وينظر : "البيان والتحصيل" (1/451)، و"كشاف القناع" (1/423)، و"مجموع الفتاوى" لابن تيمية (24/189)، و"فتح الباري" (2/410).
والراجح هو قول الجمهور ، أنه لا سنة قبلية للجمعة ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يخرج من بيته يومَ الجُمُعة فيصعَدُ مِنبَرَه ثم يؤذِّنُ المؤذنُ ، فإذا فرغ أخذَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خُطبتِه .
ولو كان للجُمُعةِ سُنَّةٌ قَبْلَها لفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أرشد صحابة إلى فعلها .
كما أنه لم يكُن في زمنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غيرُ هذا الأذانِ الذي بين يدي الخَطيبِ ؛ فكيف يكون لها سنة خاصة بين الأذانين، ولم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ، سوى أذان واحد؟!
فإن قيل : ربما كان يصلي السنة في بيته .
أجيب بأنه لو كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي في بيتِه قبلَ خُروجِه إلى الجُمُعة، لضُبِط ذلك ، كما ضُبِطتْ صلاتُه بعدَها ، وكما ضُبِطتْ صلاتُه قبل الظُّهر ، ولنَقَل ذلك أزواجُه رَضِيَ اللهُ عَنْهنَّ ، كما نقَلْنَ سائرَ صلواته في بيتِه ليلًا ونهارًا ، وكيفيَّة تهجُّده وقِيامة بالليل ، وحيث لم يُنقَلْ شيءٌ من ذلك ، فالأصلُ عدمُه ، ودلَّ على أنه لم يقعْ ، وأنَّه غيرُ مشروعٍ .
وقد صح عنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما أنه قال : " صليتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سجدتينِ قبلَ الظُّهرِ ، وسجدتينِ بعد المغربِ ، وسجدتينِ بعدَ العِشاءِ ، وسجدتينِ بعدَ الجُمُعةِ " أخرجه البخاري (1172)، ومسلم (729).
فلم يذكر للجمعة سُنَّة إلَّا بعدَها ؛ فدلَّ على أنَّه لا سُنَّة قبلَها .
قال الحافظ ابن حجر : " وأما سنة الجمعة التي قبلها: فلم يثبت فيها شيء " انتهى من "فتح الباري" لابن حجر (2/ 410).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (6653) .
ولكن يستحب لمن أتى الجمعة أن يتطوع بالصلاة قبلها ، بما تيسر له ، من حين دخوله إلى المسجد ، إلى أن يخرج الإمام على الناس ، من غير أن يكون ذلك مقيدًا بعدد مخصوص ، فيصلي ركعتين ، أو أربعا ، أو ما شاء الله له أن يصلي ، وهذه الصلاة هي تطوع مطلق ، وليست سنة راتبة للجمعة .
روى البخاري (883) ، ومسلم (857) عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى .
وجاء عن ابنِ شِهابٍ ، عن ثَعلبةَ بن أبي مالكٍ القُرضيِّ : " أنَّه أخبره أنَّهم كانوا في زمانِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ يُصلُّونَ يومَ الجُمُعةِ حتى يخرجَ عمرُ ، فإذا خرَجَ عُمرُ وجلَس على المنبرِ وأذَّنَ المؤذِّنون ، قَال ثعلبةُ : جَلَسْنا نتحدَّث ، فإذا سكَتَ المؤذِّنونَ وقام عُمرُ يَخطُبُ ، أَنصَتْنا فلم يتكلَّمْ منَّا أحدٌ " أخرجه مالك في "الموطأ" (1/103) وصححه النووي في "الخلاصة" (2/808).
وينظر جواب السؤال رقم : (181043).
والخلاصة :
أن الجمعة ليس لها سنة قبلية على القول الراجح المختار.
لكن يبقى أيضا : أن المسألة من المسائل الخلافية بين أهل العلم ؛ ومثل هذه المسائل الاجتهادية لا ينكر أحد من المختلفين على الآخر ، ولا يجوز أن تكون مثارًا للجدال أو التعصب، أو سبباً لحصول النفرة بين الناس ، لا سيما وأن بعض البلدان تتبع مذهب الحنفية الذي يقول بأن للجمعة سنة قبلية ، فالإنكار عليهم في هذه الحالة كثيرا ما يسبب وحشة ، ونفرة في القلوب، بل ربما أدى إلى فتنة ، وتباغض وتدابر بين المصلين !!
لذلك فإن الذي يظهر هو أن تنصح من رأيت فيه حرصًا على اتباع السنة ، وعدم التعصب لمذهب معين .
وأما عوام الناس : فمن الصعب إقناعهم ، فلا حرج عليك إن تركت نصيحتهم ، والحال ما ذكر.
وقد سئل الإمام أحمد عمن رأى رجلا يصلي لا يتم الركوع والسجود ، ولا يقيم أمر صلاته .
فقال : إن كان يظن أنه يقبل منه أمره ووعظه ، حتى يحسن صلاته .
وفي سؤال آخر قال : إن كان يقبل منك فانهه .
فيفهم من هذا ؛ أن الشخص إذا كان لا يقبل أن يغير ما هو عليه ، ولا يقبل النصح ، أنه لا حرج من ترك نصحه .
وينظر "الآداب الشرعية" (1/182) لابن مفلح الحنبلي .
وإذا رأيت الناس ينظرون إليك نظر إنكار ؛ فمن الممكن أن تقوم وتصلي ركعتين بنية التطوع ، لا بنية راتبة الجمعة القبلية ، وذلك لكي تدفع عن نفسك كلام الناس ، وإنكارهم ، وتخرج من وحشة القلوب، وتنافرها.
ثانيا:
ثبتت للجمعة سنة بعدية كما تقدم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنها ركعتان .
وروى الإمام مسلم (881) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ ، فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا .
قال أبو عيسى الترمذي : رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَرْبَعًا .
وقال عطاء : قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعًا " .
وقال الإمام أحمد : " إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين ، وإن شاء صلى أربعًا " انتهى. "المغني" (2/109) .
وقيل : من صلى سنة الجمعة البعدية في المسجد صلاها أربعًا ، ومن صلاها في البيت صلى ركعتين .
وينظر لمزيد من الفائدة والتفصيل جواب السؤال رقم : (112031)، ورقم: (174669).
ثالثا:
يشرع الأذان الأول للجمعة ، وهو ما فعله عثمان رضي الله عنه ، وأقره الصحابة عليه .
ولكن ينبغي أن يكون الأذان الأول قبل دخول وقت الجمعة ، بنصف ساعة أو نحو من ذلك ، مما يحقق الفائدة منه وهي تذكير الناس بالجمعة ، وحثهم على التهيؤ والمسارعة إليها .
كما ينبغي أن يكون الأذان الثاني في مكبرات الصوت أيضًا ؛ ليعلم الناس بصعود الإمام ، لا سيما وأن هذا الأذان هو الأصل ، أما الأذان الأول فهو للتذكير .
وعليه : فينبغي أن تنصح الإمام وتبين له هذا بأسلوب لطيف ، وبالرفق ، والموعظة الحسنة ، إن أمكن ذلك ، وكنت تعلم أنه يمكنه أن يغير الأمر.
فإن لم يستجب ؛ فقد أديت ما عليك ، وأبرأت ذمتك ، وفي كل الأحوال يجوز لك الصلاة معهم ، وليس لك أن تترك الجمعة في مساجد المسلمين لأجل ذلك، أو لأجل أنهم يصلون للجمعة راتبة قبلها ، أو أنك أنت ستصلي تلك النافلة، على ما سبق ذكره ، أو نحو ذلك من مسائل الاجتهاد.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (100225)، (148205).
والله أعلم.
تعليق