الحمد لله.
جاء التأكيد ببر الأم وبيان أن لها من حق حسن الصحبة أكثر ما للأب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟
قَالَ: أُمُّكَ ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ ، قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟، قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ رواه البخاري (5971)، ومسلم (2548).
فحق الأم مقدم، كما هو ظاهر الحديث، فتقدم طاعتها على طاعة الأب عند تزاحم أمرهما.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قال القرطبي: المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر، وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة، وقال عياض: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب، وقيل: يكون برهما سواء، ونقله بعضهم عن مالك، والصواب الأول " انتهى من "فتح الباري" (10 / 402).
وقال ابن بطال رحمه الله تعالى:
" وحديث أبى هريرة يدل على أن لها ثلاثة أرباع البرّ، وهو الحجة على من خالفه " انتهى من "شرح صحيح البخاري" (9 / 191).
فلذا يجوز لك أن تطيع أمك ما دُمت لم تلحق بذلك ضررا بأبيك، لكن عليك أن تجتهد في طلب رضاه قدر استطاعتك.
قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشيء فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
فإن رفض ولم يرض، وأنت مقيم مع والدتك، يجوز في هذه الحال سفرك دون إعلامه، حتى لا يغضب.
ولمزيد الفائدة طالع جواب السؤال رقم : (112020).
وأما إن كنت مقيما مع والدك؛ فلا تسافر دون إعلامه؛ لأن هذا فيه زيادة في غضبه دون حاجة؛ فإن أمكنك استعمال المعاريض ، فهذا حسن ، فإنها جائزة للحاجة ، وإن لم يمكن ذلك ، فلابد حينئذ من مصارحته بأمر سفرك مع والدتك؛ وتوضح له الحكم الشرعي برفق وحكمة.
وما يقوله والدك بأنه ولي أمرك؛ فالولد الذكر إذا بلغ راشدا، فهو ولي نفسه، يصح له التصرف في شؤونه بالمعروف وفق أحكام الشرع.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه "زاد المستقنع":
" قوله: " ويكون الذكر بعد رشده حيث شاء ": الذكر من سبع سنين حتى الرشد يكون عند من اختار، وبعد الرشد فإنه يملك نفسه، فلا سيطرة لأحد عليه، لا أبوه ولا غيره " انتهى من "الشرح الممتع" (13 / 548).
لكن هذا لا يعني أنك تجاهر بمخالفة أبيك وتعدي حدود الأدب معه .
والله أعلم.
تعليق