الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

تدعي امرأة أنها أخته من الرضاع ، وتشهد على شهادة المرضعة، فهل يثبت التحريم ؟

304462

تاريخ النشر : 01-06-2020

المشاهدات : 5840

السؤال

السلؤال : امرأة من معارفنا متزوجة، ولديها أبناء وأحفاد تدعي بأن أمها رحمها الله تعالى قد أرضعتنا سوياً، وإنني أخوها من الرضاع، وهي تتواصل معي، وتراسلني على هذا الأساس، استفسرت من والدتي التي أخبرتني بأنها لا علم لديها، ولا تتذكر حادثة الرضاعة، ولكن أخبرتني بأن الأم المتوفية كانت دائماً تقول بأنها أرضعتني مع ابنتها، فوالدتي لم تثبت، ولم تنفِ حادثة الرضاع، لكنها تستبعد أن يكون الرضاع قد وقع فعلاً، اما الأخت، فتبدو متأكدة بناءً على تأكيد والدتها المتوفية، فما علي أن أفعل في هذه الحالة؟ هل أبقي قنوات التواصل معها أم امنعها؟ وبماذا تنصحوني؟ وكيف أتصرف؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

تثبت المحرمية بالرضاع بشهادة امرأة ثقة مرضية، على الراجح، إذا شهدت بحصول خمس رضعات والطفل في الحولين، وهذا مذهب الحنابلة، خلافا لمن اشترط شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وذلك لما روى البخاري (5105) عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : " تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ لِي : إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، وَهِيَ كَاذِبَةٌ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ قُلْتُ : إِنَّهَا كَاذِبَةٌ ، قَالَ :  كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْك  .

 قال في "شرح منتهى الإرادات" (5/ 612): " (وإن شهد به) أي الرضاع المحرم امرأة (مرضية) على فعلها ، بأن شهدت أنها أرضعته خمسا في الحولين، أو شهدت على فعل غيرها : بأن شهدت أن فلانة أرضعته خمسا في الحولين، (أو) شهد بذلك (رجل عدل : ثبت) الرضاع بذلك، ولا يمين على المشهود له ولا على الشاهد ، لما روى عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك، فقال: وكيف وقد زعمت؛ فنهاه عنها. وفي رواية: دعها عنك . رواه البخاري.

وقال الزهري: فُرق بين أهل أبيات في زمن عثمان لشهادة امرأة واحدة، لأن هذه شهادة على عورة، فتقبل فيها شهادة النساء منفردات، كالولادة، ولأنه معنى يقبل فيه قول النساء المنفردات، فيقبل فيه شهادة المرأة.

والمتبرعة وغيرها سواء.

وغير المرضية لا تقبل" انتهى.

وينظر : "الموسوعة الفقهية الكويتية" (22/254).

ثانيا:

إذا كانت المرضعة مرضية، وشهد على قولها إنها أرضعتكما خمس رضعات: رجل ثقة أو امرأة ثقة، ثبت الرضاع.

فإذا كانت المرأة التي تدعي أنك أخوها مرضية في دينها، وشهدت أن أمها- المرضيّة- أخبرتها بأنها أرضعتك خمس رضعات، ثبتت المحرمية.

وإذا لم تعلم عدد الرضعات، لم تثبت المحرمية.

قال في "شرح المنتهى" (3/ 605) في باب الشهادة على الشهادة: " (و) تقبل (امرأة على امرأة ، فيما تقبل فيه المرأة) لما تقدم" انتهى.

وإذا كانت أمك قد أخبرتك أن المتوفاة كانت دائماً تقول بأنها أرضعتك مع ابنتها، فهذه شهادة من أمك أيضا على شهادة المرضعة.

بقي النظر في عدد الرضعات، فإذا لم تخبر عن حصول خمس رضعات، لم يثبت التحريم.

وضابط الرضعة الواحدة : أن يمتص الطفل الثدي ثم يتركه، ولو لملل أو لانتقال إلى ثدي آخر.

والحاصل: أن التحريم هنا يتوقف على أمرين:

1-عدالة المرأة المتوفاة.

2-التيقن من حصول خمس رضعات، وأما مع الشك، فلا يثبت التحريم.

قال في "كشاف القناع" (5/ 456): " (فصل وإذا شُك في الرضاع ، أو) شُك (في عدده) ، بأن شك هل أرضعته أو لا ، أو هل أرضعته خمسا أو دونها : (بُني على اليقين ؛ لأن الأصل عدم الرضاع ، في المسألة الأولى) ، وهي ما إذا شك في الرضاع. (و) الأصل (عدم وجود الرضاع المحرِّم ، في) المسألة (الثانية) ، وهي ما إذا شك في عدده .

(لكن تكون) ، التي لو ثبت رضاعها خمسا حَرَّمت : (من الشبهات ، تركها أولى . قاله الشيخ) لحديث من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" انتهى.

ويُعلم من آخر كلامه رحمه الله، أنه في حال عدم ثبوت الرضاع الخمس يقينا ؛ فإن المرضعة- وكذا بناتها- يكُنَّ من الشبهات.

وينبني على ذلك الاحتياط في أمرين: عدم الزواج منهن، لاحتمال أنهن محارم.

وعدم الاختلاط معهن؛ لاحتمال أنهن أجنبيات، فعليك أن تخبر المرأة بذلك، وأن تأمرها بالكف عن مراسلتك.

وقد دل على هذا الاحتياط: ما روى البخاري (2053)، ومسلم (1457) : "أَنَّ َسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ تنازع هو وعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي عبدٍ لزَمْعَةَ ، فَقَالَ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هذا ابن أَخِي عتبة بن أبي وقاص، عهد به إليَّ، فهو ابنه . وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هذا أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي؟

فَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ:  هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَة؛َ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ .

ثم قال لسودة بنت زمعة وهي إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنها :  احْتَجِبِي عنْهُ يَا سَوْدَةُ  .

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَة ) : فَأَمَرَهَا بِهِ نَدْبًا ، وَاحْتِيَاطًا ، لِأَنَّهُ فِي ظَاهِر الشَّرْع أَخُوهَا ، لِأَنَّهُ أُلْحِقَ بِأَبِيهَا . لَكِنْ لَمَّا رَأَى الشَّبَه الْبَيِّن بِعُتْبَةَ بْن أَبِي وَقَّاص ، خَشِيَ أَنْ يَكُون مِنْ مَائِهِ؛ فَيَكُون أَجْنَبِيًّا مِنْهَا ، فَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ اِحْتِيَاطًا ..." انتهى .

 والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب