الحمد لله.
أولا:
هنيئا لك التوبة ، ونسأل الله الكريم أن يمنّ علينا وعليك وعلى جميع المسلمين بالثبات على طاعته.
ثانيا:
ما قمت به من الصدقات بمالك الحلال بعد التوبة ، هو عمل خير لا يبطله ما سبق منك من اعتداء، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (181396).
ثالثا:
الأصل أنه يجب إرجاع المسروق إلى صاحبه أو ورثته إن كان قد مات، فإذا جهلت الشخص الذي سرقت أمواله كما قلت، واجتهدت في تذكره فلم تتذكريه ، فيجوز أن تتصدقي عنه بما سرق منه ، أو بقيمته ، إن لم يكن عين المسروق باقيا.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" من غصب أموالا، ثم تاب وتعذر عليه ردها إلى أصحابها، أو إلى ورثتهم، لجهله بهم، أو لانقراضهم، وبغير ذلك، فاختلف في توبة مثل هذا...
قالت طائفة أخرى: بل باب التوبة مفتوح لهذا، ولم يغلقه الله عنه، ولا عن مذنب، وتوبته أن يتصدق بتلك الأموال عن أربابها، فإذا كان يوم استيفاء الحقوق، كان لهم الخيار بين أن يجيزوا ما فعل، وتكون أجورها لهم، وبين أن لا يجيزوه، ويأخذوا من حسناته بقدر أموالهم ، ويكون ثواب تلك الصدقة له؛ إذ لا يبطل الله سبحانه ثوابها، ولا يجمع لأربابها بين العِوَض والمعوَّض، فيغرمه إياها ، ويجعل أجرها لهم ، وقد غرم من حسناته بقدرها.
وهذا مذهب جماعة من الصحابة كما هو مروي عن ابن مسعود، ومعاوية، وحجاج بن الشاعر...
قالوا: وقد استقرت قواعد الشرع على أن الإذن العرفي، كاللفظي...
وإذا ثبت ذلك، فمن المعلوم: أن صاحب هذا المال الذي قد حيل بينه وبينه : أشد شيء رضا بوصول نفعه الأخروي إليه، وهو أكره شيء لتعطيله ، أو إبقائه مقطوعا عن الانتفاع به دنيا وأخرى، وإذا وصل إليه ثواب ماله : سره ذلك أعظم من سروره بوصوله إليه في الدنيا... " انتهى من "مدارج السالكين" (2 / 1014 - 1022).
رابعا:
الصدقات التي سبقت منك ، لا يمكن قلب نيتها ، من كونها عنك ، إلى كونها عمن اعتديت عليهم سابقا؛ لأن الصدقات السابقة ، قد تمت، فتقع على ما نويت.
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى رواه البخاري (1) ، ومسلم (1907) .
والصدقات عمن اعتديت عليهم عبادة مستجدة ، فيلزم أن يقع هذا العمل بعد هذه النية المستجدة، لا قبلها؛ لأن النية شرط يسبق الأعمال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" النية من الشروط ، والشروط تتقدم العبادات " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 / 230).
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (42 / 69):
" ذهب الفقهاء إلى أن وقت النية هو أول العبادات، أو أن الأصل أن أول وقتها أول العبادات " انتهى.
فعليك أن تبذلي طاقتك في التصدق عمن اعتديت عليهم، فإن عجزت فالله سبحانه وتعالى يجعل لك مخرجا.
قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا الطلاق /2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وهذه الآية عامة في كل من يتقي الله ... فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وحينئذ فقد دخل فيمن يتقي الله، فيستحق أن يجعل الله له فرجا ومخرجا، فإن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، ونبي الملحمة. فكل من تاب فله فرج في شرعه "انتهى من "مجموع الفتاوى" (33 / 34 – 35).
ومن هذا المخرج أنه يرجى لمن تاب من السرقة ، واجتهد في رد ما سرق ، أو التصدق عن أصحابها إن جهلهم، أو عجز عن الوصول إليهم= يرجى له إن مات ، وعجز عن رد جميع المسروقات: أن يؤدي الله عنه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ رواه البخاري (2387).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ومن مات معدِما، يرجى أن الله يقضي عنه ما عليه " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5 / 421).
ولمزيد الفائدة : راجعي جواب السؤال رقم : (220839).
والله أعلم.
تعليق