الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

كيفية الاشارة إلى الحجر الأسود

304896

تاريخ النشر : 10-07-2019

المشاهدات : 47470

السؤال

سؤالي يتعلق بكيفية القيام باستلام الحجر الأسود إذا لم يكن قادراً على الاقتراب منه و تقبيله ، أو لمسه ، أعلم أنّه عليك أن تشير بيدك ، السؤال هو : كيف نقوم بالإشارة ، وفقاً للأحناف فإن الإشارة للحجر الأسود تتمّ عن طريق رفع كلتا اليدين كما هو الحال في التكبير للصلاة ، الدليل على ذلك قول إبراهيم النخعي الذي ذكر فيه المواضع التي يتمّ فيها رفع كلتا اليدين واستلام الحجر هو أحد تلك المواضع ؟ ما هو دليل الجمهور الذي يقول : إنّه يتم رفع اليد اليمنى فقط ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

اختلف أهل العلم عند العجز عن استلام الحجر الأسود: هل يشير، أم لا ؟

فعند المالكية أنه يكبر ويمضي ، ولا يشير.

قال الحطاب الرعيني رحمه الله تعالى:

" قال في الطراز: مسألة فيمن لا يستطيع أن يلمس الركن:

قال مالك: يكبر ويمضي، ولا يرفع يديه.

هذا يُختلف فيه ، فقال الشافعي يشير بيده، وهو فاسد، ثم ذكر وجهه، والله أعلم.

وفي مناسك ابن فرحون، أول الكلام على الطواف: ولا تشير إليه بيدك انتهى.

قال أيضا في سنن الطواف: ولا يشير إليه بيده، ويضعها على فيه. انتهى.

وقال ابن معلى في مناسكه: فإن لم يصل إلى الحجر: كبر إذا حاذاه، ولا يرفع يديه، أي: لا يشير.

واختار القاضي عياض الإشارة مع التكبير، والأكثرون على عدمها، وهو مذهب المدونة " انتهى من "مواهب الجليل" (3 / 521).

وذهب الجمهور إلى أنه يشير إذا لم يستطع استلام الحجر الأسود.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ، أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ، وَكَبَّرَ " رواه البخاري (1632).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قال الجمهور: إن السنّة أن يستلم الركن ويقبل يده، فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده، وقبل ذلك الشيء، فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك " انتهى من "فتح الباري" (3 / 473).

ثانيا:

اختلف القائلون بالإشارة إلى الحجر الأسود عند العجز عن استلامه.

فعند الشافعية والحنابلة أنه يشير برفع يده اليمنى.

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى:

" (فإن عجز) عن استلامه بيده أو غيرها (أشار) إليه (بيده) أو بشيء فيها، كما في "المجموع". واليمنى في جميع ذلك مقدمة على اليسرى، كما أفاده الزركشي " انتهى من "نهاية المحتاج" (3 / 284).

وقال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله تعالى:

" (ويستلمه) أي: يمسح الحجر (بيده اليمنى)، والاستلام من السلام، وهو التحية، وأهل اليمن يسمون الحجر الأسود: المُحيّا؛ لأن الناس يحيونه بالاستلام...

(فإذا شقّ) استلامه بيده، (فـ) إنه يستلمه (بشيء، ويقبّله)، أي: [يقبل] ما استلمه به، روي عن ابن عباس موقوفا.

(فإن شقّ) عليه استلامه أيضا بشيء: (أشار إليه) أي: الحجر (بيده) اليمنى (أو بشيء)... "انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (2 / 532 – 533).

والاقتصار على الإشارة بيد واحدة – اليمنى – هو ما يفهم من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:  " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ، وَكَبَّرَ" رواه البخاري (1632).

فلم يشر إليه بيديه جميعا، كهيئة الصلاة.

وأيضا قد روى الإمام مسلم (1268) عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: " رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ ".

ولا شك أن اليد التي استلم بها هي اليمنى؛ لأن اليمين هي المقدمة في العبادات، فلذا يكتفى باليمين في الإشارة كما في الاستلام؛ لأنها بدل عنه.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" مسألة: كيفية الإشارة؟ هل الإشارة كما يفعل العامة أن تشير إليه كأنما تشير في الصلاة، أي: ترفع اليدين قائلا الله أكبر؟

الجواب: لا، بل الإشارة باليد اليمنى، كما أن المسح يكون باليد اليمنى " انتهى من "الشرح الممتع" (7 / 239).

وأما الحنفية فقالوا: يشير بيديه كهيئة التكبير للإحرام بالصلاة.

قال ابن الهمام رحمه الله تعالى:

" (قوله فإن لم يستطع شيئا من ذلك) أي من التقبيل والمس باليد أو بما فيها ، (استقبله) ويرفع يديه ، مستقبلا بباطنهما إياه (وكبر وهلل وحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم) ويفعل في كل شوط عند الركن الأسود ما يفعله في الابتداء " انتهى من "فتح القدير" (2 / 150).

روى أبو يوسف في "الآثار" (100) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ: " تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَافْتِتَاحِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، وَفِي الْعِيدَيْنِ، وَعِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، وَعَرَفَاتٍ، وَجُمَعٍ، وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ ".

وطلحة هو ابن مصرف، كما بيّن في رواية مُحَمَّد بن الْحسن في كتابه "الحجة على أهل المدينة" (1 / 300)، قال: أخبرنا أبو حنيفَة عَن طَلْحَة بن مصرف عَن إبراهيم أنه قَالَ: " ترفع الأيدي فِي سبع مَوَاطِن فَذكر فِي ذَلِك الْعِيدَيْنِ ".

وطلحة ثقة، وإبراهيم النخعي من علماء التابعين.

لكن المتقرر عند أهل العلم هو أنّ قول التابعي لا يعتبر دليلا ولا حجة على غيره.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وقال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة ؛ فكيف تكون حجة في التفسير؟

يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح.

أما إذا أجمعوا على الشيء : فلا يُرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا ، فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ، ولا على من بعدهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (13 / 370).

وقد رُوِي هذا القول مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ضعفه أهل العلم.

فروى ابن خزيمة (2703) وغيره عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِن..)، وَفِي الْخَبَرِ: ( وَعِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ ).

وهذا حديث ضعيف؛ لأن في سنده ابن أبي ليلي ، وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقد تتابع أهل الحديث على وصفه بسوء الحفظ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" صدوق سيء الحفظ جدا " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 493).

وقال البخاري رحمه الله تعالى مضعفا لهذا الحديث:

" وقال شعبة: إن الحكم لم يسمع من مقسم إلا أربعة أحاديث ، ليس فيها هذا الحديث.

وليس هذا من المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أصحاب نافع خالفوا، وحديث الحكم عن مقسم مرسل " انتهى من "رفع اليدين" (ص 134).

ورواه الشافعي في "الأم" (3 / 422) ، وبين فيه الانقطاع : عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حُدِّثْت عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ ( تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَبِجُمْعٍ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ وَعَلَى الْمَيِّتِ ).

فابن جريج لم يدرك مقسما، فالحديث ضعيف لانقطاعه، ويحتمل أنه أخذه عن ابن أبي ليلى. كما قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (3 / 167).

وهذا الحديث رغم ضعفه ، لم يرد فيه : "عند استلام الحجر". قال الزيلعي رحمه الله تعالى:

" قال عليه الصلاة والسلام " لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن" ، وذكر من جملتها استلام الحجر.

قلت: تقدم الحديث في صفة الصلاة، وليس فيه استلام الحجر " انتهى من  "نصب الراية" (3 / 38).

والحاصل:

أن المسألة من مسائل الاجتهاد ، ودليل الجمهور على أن الإشارة تكون باليمنى :

ظاهر حديث ابن عباس السابق .
القياس على الاستلام .
أن اليد اليمنى هي المقدمة في العبادات .
أنه لم يثبت أن الإشارة تكون باليدين .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب