السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

دعاء المسلمة بالزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة

307281

تاريخ النشر : 22-06-2019

المشاهدات : 32852

السؤال

لدي رفيقة ، وهي تحاول أن تصلح من نفسها ، ـ ونسألكم الدعاء لها ـ منذ صغرها رأت فتوى لرجل دين ، وأحد مواقع التواصل الإجتماعي تجيز أو تحلل الدعاء بالزواج من النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالجنة ، فما مدى صحة هذه الفتوى ؟ وهل هي محرمة أو أثمة وماذا تفعل ؟ وما الدليل ؟

الجواب

الحمد لله.

نسأل الله تعالى أن يصلحها وسائر المسلمين .

لا شك أن قوة محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أشرف أعمال القلب ، ودليل على صحة الإيمان وثباته في القلب .

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ   رواه البخاري (15) ، ومسلم (44).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ   رواه البخاري (14) .

لكن هذه المحبة متوقفة على حسن الاتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، كما يدل على ذلك قول الله تعالى:  قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  آل عمران /31.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 / 32).

وقد شرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد في الدعاء بخير الدنيا والآخرة، وأرشدنا إلى جوامع الدعاء ؛ فحريّ بالمسلم أن يلتزم بهذه الأدعية المأثورة الصحيحة، فلا شك أن الخير فيها، ولا يشغل نفسه بابتكار أدعية محدثة ، فربما احتوت على أمر منكر وهو لا يشعر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف، والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما، وقد يكون مكروها، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس، وهي جملة يطول تفصيلها...

ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 / 510 – 511).

ومن هذا الباب دعاءالمرأة المسلمة بأن تكون من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.

فهذا دعاء لم يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يُعلم أن من الصحابيات رضي الله عنهن من كانت تدعو بمثل هذا.

كما أن هذا الدعاء يحتوي على محذورين:

المحذور الأول: أنه لا يُعلم أنه سيكون للنبي صلى الله عليه وسلم زوجات من أمته في الجنة غير من تزوجهن في حياته.

فالتي تدعو بمثل هذا الدعاء ، قد افترضت أمرا غيبيا من غير دليل، وعملت بهذا الظن الخالي من العلم، وهو أمر منهي عنه.

قال الله تعالى:  وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا   الإسراء /36.

المحذور الثاني: هذا الدعاء إذا علمت صاحبته أن المسلمة ستكون زوجة لزوجها المسلم في الجنة أو لآخر أزواجها المسلمين، كما ورد في حديث :   أَيُّمَا امْرَأَةٍ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ فَهِيَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا  رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3 / 275)، وصححه الألباني بمجموع طرقه وشواهده في "السلسلة الصحيحة" (3 / 275).

فقد يدفعها مثل هذا التعلق إلى مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وحثه على الزواج؛ فتدع الزواج ، رغبة تعلق بذلك الطمع : أن تكون زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ، وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ  رواه الإمام أحمد في "المسند" (20 / 63)، وصححه الألباني في "ارواء الغليل" (6 / 195).

وعن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، أنه قال : " أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ ، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ لَاخْتَصَيْنَا " رواه البخاري (5073) ، ومسلم (1402).

سُئل الشيخ عبد الرحمن البراك:

" أنا فتاة معجبة كثيراً بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم. فهل يجوز لي أن أحبه، وأتمنى أن يكون زوجاً لي في الجنة؟ هل يحرم علي مثل هذا التفكير؟

فأجاب: ...

الإعجاب بالنبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى: محبته؛ لأنه رسول الله، ولأنه على خلق عظيم كما وصفه الله؛ فهذا الإعجاب ، وهذه المحبة حق، وأعظم ثمراتها اتباعه صلى الله عليه وسلم، وذلك برهان على محبة العبد لربه، وسبب لنيل محبة الله، قال تعالى:   قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

ولم يرد عن واحدة من المؤمنات الصحابيات الدعاء بأن تكون زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهن أعظم حبّاً للنبي صلى الله عليه وسلم من غيرهن.

ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تكون له زوجات من المؤمنات سوى أمهات المؤمنين، فإنه قد اتفق أهل السنة على أنهن زوجاته في الجنة، وخيرهن وأفضلهن خديجة وعائشة، رضي الله عنهن جميعاً.

وعلى هذا : فلا يجوز لك أن تتمني، أو أن تدعي أن تكوني زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ فإن سؤال ما لا يمكن من التعدي في الدعاء، بل سلي الله الجنة، وسليه الفردوس الأعلى؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سألتم الله تعالى الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة" رواه البخاري.

ولابد أن يُتْبع هذا الدعاء بالجد والاجتهاد في طاعة الله، والاستقامة؛ فإن ذلك هو السبب للفوز بالجنة...

فهذا هو الطريق لنيل السعادة الأبدية، نسأل الله أن يوفقك - أيتها السائلة - للفوز بجنات النعيم " انتهى. من " فتاوى واستشارات موقع الإسلام اليوم" (18 / 484 ترقيم الشاملة).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب