الحمد لله.
أولا:
حكم بيع روث الحيوانات غير مأكولة اللحم
لا يجوز بيع السرجين أو روث الحيوانات غير مأكولة اللحم كالحمر، في قول جمهور الفقهاء، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله.
قال ابن قدامة رحمه الله: "ولا يجوز بيع السرجين النجس. وبهذا قال مالك، والشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز؛ لأن أهل الأمصار يتبايعونه لزروعهم من غير نكير، فكان إجماعا.
ولنا، أنه مجمع على نجاسته؛ فلم يجز بيعه، كالميتة.
وما ذكروه فليس بإجماع، فإن الإجماع اتفاق أهل العلم، ولم يوجد، ولأنه رجيع نجس، فلم يجز بيعه، كرجيع الآدمي" انتهى من المغني (4/192).
وأما روث ما يؤكل لحمه: فهو طاهر، يجوز الانتفاع به في التسميد وغيره، ويجوز أيضا بيعه وشراؤه.
وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم:(111786)، ورقم:(222524).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأما السرجين النجس، يعني ما تدفن به الأرض عند زرعها، ويسمى عند الناس السماد: فالنجس لا يجوز بيعه، مثل سرجين الحمر، وسرجين الآدمي، عذرة الآدمي.
مع أن القول الراجح أنه يجوز يعني أن يسمد بها، لكن لا يجوز بيعها، لأنها نجسة العين، وأما السرجين المتنجس فيجوز بيعه، لأن تطهيره ممكن، فهو كالثوب المتنجس، السرجين المتنجس مثل سماد بال عليه رجل، أو بال عليه حمار وأراد إنسان أن يبيعه، نقول: لا بأس، بعه، لأنه يمكن تطهيره، فهو كالثوب المتجنس" انتهى من "التعليق على الكافي" (4/142).
وأما الحنفية فأجاوز بيعه.
قال ابن عابدين: " (قوله جاز) أي بيعه. ط (قوله كسرقين وبعر) في القاموس: السِّرجين والسرقين بكسرهما، مُعرَّبا سَركين بالفتح، وفسره في المصباح بالزبل، قال ط: والمراد أنه يجوز بيعهما ولو خالصين اهـ. وفي البحر عن السراج: ويجوز بيع السرقين والبعر والانتفاع به والوقود به" انتهى من "حاشية ابن عابدين" (5/85).
ومذهب الأحناف: قال به جمع من الحنابلة وغيرهم أيضا، وهو رواية عن الإمام أحمد.
قال ابن مفلح – في كلامه عند كلامه طهارة الجلد النجس بدباغه -: " ويجوز بيعه، وعنه لا "وم" كما لو لم يطهر "و" أو باع قبل الدبغ "و" نقله الجماعة، وأطلق فيه أبو الخطاب أنه يجوز بيعه مع نجاسته، كثوب نجس، فيتوجه منه بيع نجاسة يجوز الانتفاع بها، ولا فرق ولا إجماع كما قيل قال ابن القاسم المالكي1: لا بأس ببيع الزبل، قال اللخمي2: هذا من قوله يدل على بيع العذرة. و3قال ابن الماجشون: لا بأس ببيع العذرة، لأنه من منافع الناس. " انتهى، من "الفروع" (1/112-113).
وقال أيضا في "شروط البيع" : " أن يكون مباح النفع والاقتناء بلا حاجة ...
لا إن نجسا. قاله في الهداية ... وسرجين نجس. وفيه تخريج من دهن نجس. وقال مهنا: سألت أحمد عن السلف في البعر والسرجين قال: لا بأس. وأطلق ابن رزين في بيع نجاسة قولين." انتهى، من "الفروع" (6/127-128).
وينظر أيضا للفائدة: "المعاملات المالية المعاصرة"، دبيان الدبيان (3/444).
وعلى ذلك؛ فإذا كان الروث المذكور: روث بهائم مأكولة اللحم، كالإبل والبقر والغنم: فلا حرج في الانتفاع به في تسميد الأرض، ولا حرج في بيعه وشرائه. ومثل ذلك أيضا روث الخيل، فهو طاهر أيضا.
وأما روث الحمر الأهلية، فهو نجس، لا يحل بيعه وشراؤه في قول جمهور العلماء.
لكن إن كان مختلطا بغيره من روث البهائم مأكولة اللحم، وكان الغالب هو روث هذه البهائم: فنرجو ألا يكون حرج في بيع المجموع، عملا بحكم الغالب، وللحاجة إليه، مع ما سبق فيه من الخلاف بين أهل العلم.
ثانيا:
حكم الانتفاع بالروث النجس
يجوز الانتفاع بهذا السرجين النجس من غير شراء؛ لما روى البخاري (2082)، ومسلم (2960) من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ: (لَا هُوَ حَرَامٌ) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: (قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ).
فالضمير في قوله: (لَا هُوَ حَرَامٌ) هو للبيع، أي لا يجوز بيع شحوم الميتة، ودل هذا على جواز الانتفاع فيما ذكر دون بيع.
وفي "الموسوعة الفقهية" (32/204): "قال أكثر الفقهاء: يجوز استعمال الزبل والسرجين في الفلاحة لتنمية الزرع، وقالوا: ولا يكون النابت نجس عين، ولكنه ينجس بملاقاة النجاسة، فيطهر بالغسل" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (8/136): " وهذا القول هو الصحيح: أن الضمير في قوله: (هو حرام) يعود على البيع، حتى مع هذه الانتفاعات التي عددها الصحابة رضي الله عنهم، وذلك لأن المقام عن الحديث في البيع.
وقيل: هو حرام، يعني الانتفاع بها في هذه الوجوه، فلا يجوز أن تُطلى بها السفن، ولا أن تدهن بها الجلود، ولا أن يستصبح بها الناس.
ولكن هذا القول ضعيف.
والصحيح: أنه يجوز أن تطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس" انتهى.
وعليه؛ فيجوز استعمال السرجين النجس في صناعة الطوب، ويطهر الطوب بهذه الصناعة، بناء على القول بالاستحالة؛ فإن دخان النجاسة ورمادها طاهر، وهذا الاحتراق يحول العين إلى مادة أخرى وهي الطوب الأحمر.
وعلى القول بعدم الاستحالة، وبقاء الطوب نجسا، يجوز استعماله في البناء، وإذا طلي بعد ذلك، زال حكم النجاسة فلا يضر لمسه بمبتل، لأن الطلاء صار حائلا بين النجاسة واليد .
والله أعلم.
تعليق