الحمد لله.
أولا:
وقت الصبح يبدأ من طلوع الفجر الصادق، إلى طلوع الشمس.
والجمهور على أنه لا وقت ضرورة له، لكن وقت الأفضلية فيه: إلى الإسفار، ويمتد الجواز إلى طلوع الشمس.
وذهب بعضهم إلى أن له وقت ضرورة.
والدليل على أفضلية ما قبل الإسفار: ما روى أحمد (3081) ، والترمذي (149) عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ البَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الفَجْرُ، وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى المَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ العَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ الآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الأَرْضُ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
والدليل على أن الجواز يمتد إلى طلوع الشمس: ما روى مسلم (612) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ .
وفي "الموسوعة الفقهية" (7/ 171): " أما نهاية وقت الصبح:
فعند أبي حنيفة وأصحابه: قبيل طلوع الشمس.
وذهب مالك في أحد الأقوال عنه، إلى أن الوقت الاختياري للصبح إلى الإسفار، وبعد الإسفار إلى طلوع الشمس وقت ضرورة لأصحاب الأعذار، كالحائض تطهر بعد الإسفار، ومثل ذلك النفساء، والنائم يستيقظ، والمريض يبرأ من مرضه، جاز لهؤلاء الصلاة في هذا الوقت من غير كراهية.
وفي قول آخر عن مالك: أن الصبح كل وقته اختياري.
وذهب الشافعية إلى أن الصبح له أربعة أوقات: وقت فضيلة وهو أوله، ووقت اختيار إلى الإسفار، وجواز بلا كراهة إلى الحمرة، وكراهة بعد الحمرة.
والمراد بوقت الفضيلة: ما فيه ثواب أكثر من وقت الاختيار.
والمراد بوقت الجواز بلا كراهة: ما لا ثواب فيه.
وذهب أحمد بن حنبل إلى أن آخر وقتها الاختياري: الإسفار، وبعد الإسفار: وقت عذر وضرورة حتى تطلع الشمس، فمن نام عن صلاة الصبح، ولم يستيقظ إلا بعد الإسفار، جاز له أن يصلي الصبح بلا كراهة.
وظاهره: أنه إذا استيقظ عند طلوع الفجر، وأخر صلاة الصبح إلى ما بعد الإسفار بدون عذر، كانت صلاته مكروهة.
7 - مما تقدم: يُعرف أن جمهور الفقهاء على أن آخر وقت الصبح: طلوع الشمس؛ لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن للصلاة أولا وآخرا، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وآخره حين تطلع الشمس" انتهى.
وما نسبته الموسوعة لمذهب الحنابلة، هو قول عندهم، وأما معتمد المذهب: فهو أن الصبح ليس له وقت ضرورة.
قال في "كشاف القناع "(1/ 256): " (ويمتد وقتها إلى طلوع الشمس) لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وقت الفجر ما لم تطلع الشمس رواه مسلم (وليس لها وقت ضرورة) .
وقال القاضي وابن عقيل وابن عبدوس: يذهب وقت الاختيار بالإسفار، ويبقى وقت الإدراك إلى طلوع الشمس" انتهى.
وأكثر المالكية على أنه لا وقت للضرورة في الصبح، لكن المتأخرين منهم قووا القول بأن لها وقت ضرورة.
قال الدسوقي في حاشيته (1/ 179): " (قوله: وينتهي المختار) أي مختار الصبح.
وقوله: (للإسفار)، أي: لدخول الإسفار، والغاية خارجة .
قوله: (وهو الذي تتميز فيه الوجوه): أي بالبصر المتوسط، في محل لا سقف فيه، ولا غطاء.
ثم إن ما ذكره المصنف، من أن المختار للصبح يمتد للإسفار الأعلى: هو رواية ابن عبد الحكم وابن القاسم عن مالك في المدونة. قال ابن عبد السلام: وهو المشهور.
وقيل: يمتد اختياري الصبح لطلوع الشمس؛ وعليه: فلا ضروريَّ لها، وهو رواية ابن وهب في المدونة، والأكثر، وعزاه عياض لكافة العلماء، وأئمة الفتوى. قال: وهو مشهور قول مالك.
والحاصل: أن كلا من القولين قد شُهر، لكن ما مشى عليه المصنف: أشهر، وأقوى، كما قال شيخنا" انتهى.
قال الدردير : " ولما فرغ من الاختياري وما يتعلق به، شرع في بيان الضروري بقوله: (والضروري) ؛ أي ابتداؤه (بعد) أي: عقب وتلو (المختار) ، سمي بذلك لاختصاص جواز التأخير إليه بأرباب الضرورات، ويمتد من مبدإ الإسفار الأعلى (للطلوع ، في الصحيح)" انتهى.
قال الدسوقي: " (قوله: لاختصاص جواز التأخير إليه بأرباب الضرورات) ، أي : وإثمِ غيرهم، وإن كان الجميع مؤدين" انتهى.
فالماكية في قولهم هذا: يعتبرون هذا الوقت وقت ضرورة حقيقي، فيأثم من أخر الصلاة إليه بلا عذر.
بخلاف غيرهم من الفقهاء؛ فغاية الأمر عند من قال منهم بالضرورة: أن الصلاة فيه مكروهة.
ثانيا:
وقت الظهر من زوال الشمس، إلى مصير ظل كل شيء مثله؛ لما سبق في الحديثين.
والجمهور على أنه لا وقت للضرورة فيه.
وفي "الموسوعة الفقهية" (7/ 173): "والمشهور في مذهب الشافعي: أن الظهر له وقت فضيلة وهو أوله، ووقت اختيار: إلى آخره، ووقت عذر لمن يجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير، فيصلي الظهر في وقت العصر عند الجمع.
وذهب مالك إلى أن الوقت الاختياري للظهر: إلى بلوغ ظل كل شيء مثله، ووقته الضروري حين الجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير، فيصلي الظهر بعد بلوغ الظل مثله، إلى ما قبل غروب الشمس بوقت لا يسع إلا صلاة العصر" انتهى.
والله أعلم.
تعليق