الحمد لله.
إذا سافرت الزوجة بإذن زوجها لحاجتها ، كزيارة أهلها ، سقط حقها من القسم ، وإذا سقط حقها فلا قضاء لها .
وينظر السؤال رقم: (99347) .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا سَافَرَتْ زَوْجَتُهُ بِإِذْنِهِ ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَلَا قَسْمَ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَشْخَصَهَا ، فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا مِنْ ذَلِكَ ).
وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ : أَنَّهَا إذَا سَافَرَتْ فِي حَاجَتِهَا ، بِإِذْنِ زَوْجِهَا ، لَتِجَارَةٍ لَهَا ، أَوْ زِيَارَةٍ ، أَوْ حَجِّ تَطَوُّعٍ ، أَوْ عُمْرَةٍ ، لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ فِي نَفَقَةٍ وَلَا قَسْمٍ . هَكَذَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ .
وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ ؛ : أَحَدُهُمَا ، لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا ؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَافَرَتْ مَعَهُ.
وَلَنَا : أَنَّ الْقَسْمَ لِلْأُنْسِ ، وَالنَّفَقَةَ لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا ، فَسَقَطَ ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولٍ بِهَا .
وَفَارَقَ مَا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ الْقَسْمُ ، وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَافَرَ عَنْهَا لَسَقَطَ قَسَمَهَا ، وَالتَّعَذُّرُ مِنْ جِهَتِهِ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ مِنْ جِهَتِهَا بِسَفَرِهَا ، كَانَ أَوْلَى ، وَيَكُونُ فِي النَّفَقَةِ الْوَجْهَانِ" انتهى من "المغني" (10/253) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (33/202) : " وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بسفرها , وفي ذلك تفصيل عند الشافعية والحنابلة : قالوا : إن سافرت بغير إذنه، لحاجتها أو حاجته أو لغير ذلك: فلا قسم لها ; لأن القسم للأُنس، وقد امتنع بسببٍ من جهتها، فسقط .
وإن سافرت بإذنه لغرضه أو حاجته، فإنه يقضي لها ما فاتها، بحسب ما أقام عند ضرتها، لأنها سافرت بإذنه ولغرضه , فهي كمن عنده وفي قبضته وهو المانع نفسه بإرسالها .
وإن سافرت بإذنه لغرضها أو حاجتها: لا يقضي لها (عند الحنابلة وفي الجديد عند الشافعية)؛ لأنها فوتت حقه في الاستمتاع بها، ولم تكن في قبضته , وإذنه لها بالسفر رافع للإثم خاصة ...
ولو سافرت وحدها، بإذنه، لحاجتهما معا: لم يسقط حقها، كما قال الزركشي وغيره بالنسبة للنفقة، ومثلها القسم , خلافا لما بحثه ابن العماد من السقوط " انتهى .
وقال الحجاوي في "زاد المستقنع" : "وإن سافرت بلا إذنه، أو بإذنه في حاجتها، أو أبت السفر معه، أو المبيت عنده في فراشه، فلا قسم لها ولا نفقة".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: "هذه عدة مسائل:
الأولى: قوله: إن سافرت بلا إذنه: إن سافرت بلا إذنه فليس لها قسم، وليس لها نفقة؛ لأنها عاصية وناشز، وفوتت عليه الاستمتاع، وإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، فكيف بمن تسافر؟!
فإذا قال قائل: قوله: لا قسم لها هذا تحصيل حاصل؛ لأنها إذا كانت مسافرة، فكيف يقسم؟ نقول: أي: لا يلزمه القضاء إذا رجعت.
الثانية: قوله: أو بإذنه في حاجتها: إذا سافرت بإذنه، فإما أن يكون في حاجته، وإما أن يكون في حاجتها، فإن كان في حاجته، فلها النفقة ولها القسم، مثلاً له أم في المستشفى في بلد آخر، وسافرت بإذنه، فالحاجة له هو، ففي هذه الحال نقول: لها النفقة؛ لأن ذلك لحاجته، وجزاها الله خيراً أن ذهبت.
وأما إذا سافرت بإذنه لحاجتها، قالت له مثلاً: إني أريد أن أزور أقاربي أو ما أشبه ذلك، فأذن لها، يقول المؤلف: ليس لها قسم، وليس لها نفقة، أما كونها ليس لها قسم فلا شك في ذلك؛ لأنها اختارت ذلك بسفرها.
وأما أنه لا نفقة لها؛ لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع، وهذا فيه نظر؛ لأن المرأة لم تمنع زوجها من نفسها إلا بعد أن أذن، فإذا أذن والحق له فإن حقها لا يسقط، فلها أن تطالبه بالنفقة، ولكن لا يجب عليه من النفقة إلا مقدار نفقة الحضر؛ لأنها إذا سافرت تحتاج إلى أجرة للذهاب وأجرة للإياب، وربما تكون البلد الثانية المؤنة فيها أشد، والسعر فيها أغلى، فلا يلزمه إلا مقدار نفقة الإقامة، إلا إذا أذن بذلك ورضي، وقال: أنا آذن لك، والنفقة عليَّ، فهنا لا إشكال في أنها تجب عليه" انتهى من "الشرح الممتع" (12/433).
وعلى هذا؛ فإذا قضى الزوج لزوجته الثانية أيام سفرها لزيارة أهلها ، فإنه يكون ظالما للزوجة الأولى.
والله أعلم.
تعليق