الحمد لله.
أولا:
الوفاء بنذر الطاعة والنذر بفعل المباح
من نذر طاعة لزمه الوفاء بنذره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ رواه البخاري (6202).
وأما من نذر فعل مباحٍ، ليس واجبا ولا مندوبا، فهو مخير بين الوفاء به، أو أن يكفر كفارة يمين.
قال ابن قدامة رحمه الله: " النذر سبعة أقسام". ثم قال:
" القسم الخامس، المباح؛ كلبس الثوب، وركوب الدابة، وطلاق المرأة على وجه مباح: فهذا يتخير الناذر فيه : بين فعله فيبرّ بذلك؛ لما رُوي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك. رواه أبو داود.
ولأنه لو حلف على فعل مباح ، برّ بفعله ؛ فكذلك إذا نذره ؛ لأن النذر كاليمين.
وإن شاء تركه ، وعليه كفارة يمين ...
فأما حديث التي نذرت المشي , فقد أمر فيه بالكفارة في حديث آخر . فروى عقبة بن عامر , أن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام , فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك , فقال: مروها فلتركب , ولتكفر عن يمينها صحيح , أخرجه أبو داود. وهذه زيادة يجب الأخذ بها " انتهى من "المغني"(13/628).
ثانيا:
نذر الزواج من امرأة ثانية
الزواج من امرأة ثانية: هو في نفسه مباح ، ولا يغير حكمه أن يكون له مقصد صالح من إعفاف امرأة أخرى، ونحو ذلك ؛ فهكذا أمر النكاح كله، لا يخرج عن مقصد صالح .
وقد صرح المالكية بأن النكاح لا يلزم بالنذر ، يعني: أصل النكاح ، وليس نكاح الثانية فقط .
قال خليل: "وإنما يلزم به ما ندب".
قال الدسوقي (2/162) : "(قوله: وإنما يلزم به) أي بالنذر - بالمعنى المصدري - ما نُدب.
ابن عاشر: يعني مما لا يصح أن يقع إلا قربة، وأما ما يصح وقوعه تارة قربة وتارة غيرها فلا يلزم بالنذر، وإن كان مندوبا كالنكاح والهبة. اهـ. بن" انتهى.
وهذا هو ما صححه جمع من محققي الشافعية أيضا .
قال شمس الدين الرملي، رحمه الله: " ولا يلزم بالنذر مطلقا ، وإن استُحب، كما أفتى به الوالد - رحمه الله تعالى - خلافا لبعض المتأخرين.." انتهى من "نهاية المحتاج"(6/181).
وقال قليوبي (3/ 207): " وأصله الإباحة ، فلا يصح نذره، وإن ندب ، نظرا لأصله، خلافا لابن حجر..." . انتهى.
وينظر: "حواشي الشرواني على تحفة المحتاج" (7/184).
وقد استحب فقهاء الحنابلة ألا يزيد على نكاح واحدة ، لما يلزمه في ذلك من الكلفة، وخشية ألا يقوم بأمره، ولا يعدل بين زوجاته .
قال المرداوي في "الإنصاف" (20 /26-27):
"والأولى أن لا يزيد على نكاح واحدة ... قال ابن خطيب السلامية : جمهور الأصحاب استحبوا أن لا يزيد على واحدة ، قال ابن الجوزي إلا أن لا تعفه واحدة" انتهى.
وظاهر ذلك : أنه إذا لم يكن نكاح الثانية مستحبا في نفسه، لم يكن قربة يلزم الوفاء بنذرها، بل هو من نذر المباح، إن شاء فعله، وإن شاء تركه .
ثالثا :
حكم الوفاء بنذر الزواج من زوجة ثانية
حاصل ما سبق: أن نكاح الزوجة الثانية: ليس لازما لك، بالنذر الذي نذرته.
فإن كنت قادرا على نكاح الثانية، أو محتاجا إليه : فأوف بنذرك.
وإن رأيت أن الأصلح لك أن تقتصر على واحدة، أو خفت ألا تعدل بينهما، أو ضاقت نفقتك عن الجمع بين اثنتين: فلا حرج عليك في الاقتصار على واحدة ؛ ويكون عليك كفارة نذرك، وهي نفسها كفارة اليمين.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إنني رجل متزوج وعندي ثلاثة أطفال، وإنني رجل صدر مني يمين وهو حلف بالله أنني أتزوج واحدة أخرى، ثم كررت ذلك، فأريد من سعادتكم إفتائي : هل يلزمني الزواج أم يوجد باب شرعي يبيح ذلك، حيث إنني محرج من أجل عيالي، وأخاف الخصومات بيني وبينهم ، فإذا ما علي حرج فأبغي الإفادة عن ديني ؛ لأنه تكرر مني عدة مرات ، وأنا إن شاء الله عازم قطعيا على ذلك بسبب ديني ، فأرجو من الله ثم منكم رد الجواب خطيا وتفسيره تفسيرا واضحا .
فأجابوا :
"ما حلفت عليه من الزواج : خير ومرغب فيه ، وفيه تكثير المسلمين .
ولكن إذا لم تف بيمينك فإنه يلزمك كفارة يمين ، وهي :
إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام ؛ لقوله تعالى : لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خير منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ، أو قال : إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني . رواه البخاري ومسلم .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد الله بن قعود ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" من فتاوى اللجنة الدائمة" (32/75) .
والله أعلم.
تعليق