الحمد لله.
أولًا :
من تسبب في حادث ، وأدى إلى وفاة شخص : فعليه الدية والكفارة . وهذا القتل يسميه العلماء بـ "القتل الخطأ" .
أما الكفارة ، فهي حق لله ، وهي مذكورة في قوله تعالى : وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً النساء/92 .
فالكفارة هي عتق رقبة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين .
ولا تسقط الكفارة بمرور سنين على الحادث .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"من قتل مؤمنا خطأ فعليه تحرير رقبة مؤمنة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع، كان معذورا معفوا عنه حتى يجد رقبة أو يستطيع الصيام في يومٍ ما من الدهر ، فإن مات ولم يتيسر له ذلك فهو معفو عنه إن شاء الله تعالى ... " انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (21/290، 291) .
الشيخ عبد العزيز بن باز . الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن غديان . الشيخ عبد الله بن منيع .
ثانيا :
أما الدية فهي مائة من الإبل بإجماع العلماء ، إن كان الشخص المتوفي ذكرا ، وخمسون إن كان أنثى .
ودية القتل خطأً مخففة ، حيث تكون أسنان الإبل صغيرة نوعًا ما .
قال الخرقي الحنبلي رحمه الله :
"وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً ، كَانَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ ، تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَخْمَاسًا ، عِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً ، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً" .
قال ابن قدامة في شرحه : " لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا ، كَمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَرَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ : هِيَ أَخْمَاسٌ ، إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَكَانِ بَنِي مَخَاضٍ بَنِي لَبُونٍ ...
وَلَنَا ، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً ، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ" انتهى من "المغني" (12/19، 20) .
وحديث ابن مسعود لم يثبت مرفوعا ، وقد صححه البيهقي موقوفا على ابن مسعود .
وينظر : سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (4020).
وتم تقديرها في بلاد الحرمين بـ ثلاثمائة ألف ريال . ينظر جواب السؤال رقم (258267) .
والذي ينبغي أن يرجع في تقديرها إلى أثمان الإبل في بلادكم ، إن كانت سلعة متداولة، يتداولها الناس، ويتمولونها في بلادكم .
فإن لم تكن من أموال الناس في بلادكم ، فإنها يرجع في تقديرها إلى الذهب، ومقدار الدية بالذهب: ألف دينار، باتفاق الفقهاء .
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (21/50).
وألف دينار: مقدارها: 4250جم من الذهب، تقريبا.
وينظر للفائدة :
http://bit.ly/2Y5BTGb
ودية الخطأ واجبة على عاقلة القاتل بإجماع العلماء ، ولا يجب عليه منها شيء ، وإنما عليه الكفارة فقط .
ينظر : "المغني" (12/21) .
فإن تعذر فرضها على العاقلة ، لكون القاتل لا عاقلة له ، أو كانت فقيرة ، أو لغير ذلك من الأسباب .. فإنها تكون في بيت المال .
فإن تعذر فرضها في بيت المال .
فقد اختلف العلماء ، هل تجب على القاتل أم لا ؟
فمذهب الإمام أحمد وأحد قولي الشافعي إلى أنها لا تجب عليه ، لأنها لم تكن واجبة عليه ، وإنما كان وجوبها على العاقلة .
والقول الثاني للإمام الشافعي وهو مذهب الحنفية واختاره ابن قدامة الحنبلي أنها تجب على القاتل حتى لا يهدر دم المقتول .
ينظر : "المغني" (12/50، 51) ، المبسوط (27/134) .
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنها إذا تعذر أخذها من العاقلة وجبت على القاتل ، فإن كان فقيرا أخذت من بيت المال .
ينظر : "الشرح الممتع" (14/179) .
ثالثا:
إذا تحملت شركة التأمين الدية نيابة عن القاتل ، وليس من أجل وثيقة تأمين المقتول على نفسه: فلا بأس بذلك ، فإن دفعت الدية كاملة برئت ذمته ، وإن دفعت بعضا بقي سائرها في ذمة القاتل يجب عليه دفعه إلى ورثة القتيل .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (70318) فتوى الشيخ ابن جبرين رحمه الله أن شركة التأمين إذا التزمت بدفع الدية عن القاتل: أنه لا بأس بذلك ، ولا يبقى على القاتل إلا الكفارة .
والله أعلم .
تعليق