الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يصح حديث تفضيل صالحي البشر على الملائكة؟

310655

تاريخ النشر : 05-10-2020

المشاهدات : 10144

السؤال

في الأثر المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وعن عبد الله بن عمرو في تفضيله على الملائكة، حيث قالت الملائكة : " يا رب، قد خلقتَ لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون وينكحون؛ فاجعل لنا الآخرة كما جعلتَ لهم الدنيا، فقال‏:‏ ‏‏لا أفعل‏‏،‏ ثم أعادوا‏،‏ فقال‏:‏ ‏‏لا أفعل،‏ ثم أعادوا‏، فقال‏:‏ ‏‏وعزتي، لا أجعل صالح من خلقت بَيَدَيَّ كمن قلت له‏:‏ كن فكان )، فهل هذا الأثر صحيح؟

ملخص الجواب

هذا الأثر ورد منسوبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد ضعيفة

الجواب

الحمد لله.

هذا الأثر ورد منسوبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد ضعيفة:

أولا:

رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (13 / 658) عن إبراهيم بنِ عبد الله بن خالد المِصِّيصي، حدثنا حَجَّاج بن محمَّد، حدثنا أبو غسَّان محمَّد بن مُطَرِّف، عن صفوان بن سليم، عن عَطاء بن يَسار، عن عبد الله بن عَمرو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:  إِنَّ المَلاَئِكَةَ قَالَتْ: يَا رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ بَنِي آدَمَ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ فيهَا ويَشْرَبُونَ ويَلْبَسُونَ، ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، ولاَ نَأْكُلُ ولاَ نَشْرَبُ ولاَ نَلْهُو، وكَمَا جَعَلْتَ لَهُمُ الدُّنْيَا فَاجْعَلْ لَنَا الآخِرَةَ. قال: لاَ أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ كَمَنْ قلتُ لَهُ: كُنْ فَكَانَ .

ورواه الطبراني أيضا في "المعجم الأوسط" (6 / 196) عن طَلْحَة بْنِ زَيْدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   إِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ ... .

وهذان إسنادان ضعيفان جدا.

قال نور الدين الهيثمي رحمه الله تعالى:

" رواه الطبراني في "الكبير"، و "الأوسط"، وفيه – في إسناد المعجم الكبير- إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي، وهو كذاب متروك.

وفي سند "الأوسط" طلحة بن زيد، وهو كذاب أيضا " انتهى من "مجمع الزوائد" (2 / 10).

ثانيا:

وروي بأسانيد ضعيفة مضطربة عن عروة بن رويم الليثي، ففي رواية عن أنس بن مالك، وفي أخرى عن الانصاري من غير تحديد من هو، وفي رواية عن جابر بن عبد الله:

فرواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "السنة" (2 / 469) قال: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، أخبرنا عُثْمَانُ بْنُ عَلَّاقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ رُوَيْمٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالُوا ...  .

ورواه البيهقي في "الأسماء والصفات" (2 / 121) عن أبي زرعة الرَّازِيّ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حدثنا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ، حدثنا عُرْوَةُ بْنُ رُوَيْمٍ َعنِ الْأَنْصَارِيِّ – فذكره-.

والأنصاري لا يُدْرى من هو، هل هو صحابي أم تابعي؟ فسنده ضعيف لجهالة هذا الراوي.

ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (52 / 139) عن عُثْمَان بْنِ حِصْنِ بْنِ عَلَّاقٍ، قال: سمعت عروة بن رويم اللخمي يقول: حدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  إن الملائكة قالوا: ...  لكنه إسناد ضعيف لجهالة بعض رجال إسناده.

ورواه البيهقي أيضا (2 / 122) عن جنيد بن حكيم وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (34 / 110) عن محمد بن مروان البزّاز، كلاهما عن هِشَام بْن عَمَّارٍ، حدثنا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ رُوَيْمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأنصاري، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – فذكره -.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وجملة القول : أن حديث ابن رويم هذا ضعيف ، لجهالة الأنصاري ، واضطراب الروايتين الأخيرتين في تعيينه، فأولاهما تقول : إنه أنس، والأخرى تقول: إنه جابر " انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 308).

كما أن عُرْوَةَ بْنَ رُوَيْمٍ : رواياته كثيرا ما تكون مرسلة لم يسمعها من الصحابي مباشرة.

قال المزي رحمه الله تعالى:

" روى عن : أنس بن مالك، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقال: مرسل، وجابر بن عبد الله كذلك ...

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبيه: عامة أحاديثه مراسيل، سمعت إبراهيم بن مهدي يعني المصيصي يقول: ليت شعري أن أعلم عروة بن رويم ممن سمع، فإن عامة أحاديثه مراسيل " انتهى من" تهذيب الكمال" (20 / 8 - 10).

ثالثا:

ورُوي عن زيد بن أسلم، فاختلف عليه فيه:

فرواه عبد الرزاق في "التفسير" (2 / 305) مقطوعا على زيد بن أسلم، حيث قال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:   وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ  ، قَالَ:  قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ بَنِي آدَمَ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ مِنْهَا وَيُنَعَّمُونَ، فَلَمْ تُعْطِنَا ذَلِكَ فَأَعْطِنَا فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي لَا أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ كَمَنْ قُلْتُ لَهُ: كُنْ فَكَانَ  .

ورواه الدارمي في "نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي" (ص 257)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدثنِي اللَّيْث، حَدثنِي هِشَامُ بْنُ سَعْيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ موقوفا عليه، لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

لكن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ شيخ الدارمي تقع في حديثه الروايات المنكرة.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" وكان صاحب حديث، فيه لين... وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث، له أغاليط " انتهى من "الكاشف" (1 / 562).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" عبد الله بن صالح، أبو صالح المصري، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط ، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة " انتهى من "التقريب" (ص 308).

وسواء كان هذا الخبر موقوفا على زيد بن أسلم ، أو على عبد الله بن عمرو، فلا يبعد أن يكون أصله من أخبار أهل الكتاب التي لا يحتج بها، فعبد الله بن عمرو رضي الله عنه ذكروا أنه اطلع على بعض كتب أهل الكتاب.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" ويحتمل أن يكون أصل الحديث من الإسرائيليات التي كان يحدث بها بعض الذين أسلموا من أهل الكتاب، ثم أخطأ بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما صنعوا بقصة هاروت وماروت " انتهى من"شرح العقيدة الطحاوية" (ص 308).

وللفائدة طالع جواب السؤال رقم : (177709).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب