الحمد لله.
الرجعة تحصل بالقول الصريح ، كراجعتك ، أو راجعتها.
وتحصل بالكناية عند الجمهور، خلافا للحنابلة.
ولفظ التزويج من الكناية، كأن يقول: تزوجتك أو تزوجتها.
وكذا لو أجرى العقد، لأن النكاح قائم، فالعقد الجديد لاغ، لكنه يفيد الرجعة مع النية؛ لأن التزوج كناية عن الإمساك.
قال ابن الهمام في " فتح القدير" (4/ 159) [حنفي] : "ألفاظ الرجعة: صريح وكناية، فالصريح: راجعتك، في حال خطابها، وراجعت امرأتي، في حال غيبتها وحضورها أيضا.
ومن الصريح: ارتجعتك، ورجعتك، ورددتك، وأمسكتك...
والكنايات: أنت عندي كما كنتِ، وأنت امرأتي، فلا يصير مراجعا إلا بالنية ...
واختلفوا في: الإمساك ، والنكاح ، والتزوج ؛ فلو تزوجها في العدة : لا يكون رجعة عند أبي حنيفة ، وعند محمد هو رجعة ، وعن أبي يوسف روايتان .
قال أبو جعفر: وبقول محمد نأخذ.
وفي الينابيع: عليه الفتوى، وكذا في القنية.
وجه قول أبي حنيفة: أن تزوج الزوجة ملغي؛ فلا يعتبر ما في ضمنه.
قلنا: نحن لا نعتبره باعتبار ما في ضمنه، بل باعتبار لفظ التزوج مجازا في معنى الإمساك" انتهى.
وقال في " شرح الخرشي على خليل" (4/ 80) [مالكي] :
"وأما القول الصريح: فلا يحتاج إلى نية، كارتجعت، وراجعتها، ورددتها لنكاحي.
ابن عرفة: الأظهر عدم افتقار الصريح لنية.
وأشار بقوله (أو نية على الأظهر) لقول ابن رشد: الصحيح أن الرجعة تصح بمجرد النية؛ لأن اللفظ عبارة عما في النفس، فإذا نوى في نفسه أنه قد راجعها، واعتقد ذلك في ضميره: صحت رجعته فيما بينه وبين الله تعالى...
(ص) لا بقول محتمل بلا نية ، كأعدتُّ الحِل، أو رفعت التحريم .
(ش) : تقدم أن القول الصريح، العاري عن النية: يكون كافيا في صحة الرجعة.
وأشار هنا إلى أن القول المحتمل، العاري عن النية، وعن الدلالة الظاهرة: لا يكون كافيا في صحة الرجعة ، كقوله: أعدتُّ الحل ، أو رفعتُ التحريم، فإنه محتمل للرجعة ولغيرها" انتهى.
وقال في " أسنى المطالب " (3/ 341) [شافعي] :
"(و) قوله (أمسكتك وتزوجتك واخترت رجعتك ورفعت تحريمك وأعدت حلك ونحوه) ، أي : كل منها (كناية) ، لاحتماله الرجعة وغيرها، ولأن تزوجتك ، ونحوه كنكحتك : صريحان في ابتداء العقد، فلا يكونان صريحين في الرجعة؛ لأن ما كان صريحا في شيء ، لا يكون صريحا في غيره ، كالطلاق والظهار ...
(وكذا لو جرى عقد) للنكاح عليها ، (بإيجاب وقبول) ، بدل الرجعة : كان كناية؛ لما مر" انتهى.
وأما الحنابلة : فالمذهب عندهم أن الرجعة لا تكون بالكناية.
وروي عن أحمد أنها تصح بالكناية.
قال ابن قدامة في " المغني " (7/ 524):
"فإن قال: نكحتها، أو: تزوجتها؛ فهذا ليس بصريح فيها؛ لأن الرجعة ليست بنكاح.
وهل تحصل به الرجعة؟ فيه وجهان؛ أحدهما، لا تحصل به الرجعة؛ لأن هذا كناية، والرجعة استباحة بُضع مقصود، ولا تحصل بالكناية، كالنكاح.
والثاني، تحصل به الرجعة. أومأ إليه أحمد. واختاره ابن حامد؛ لأنه تباح به الأجنبية، فالرجعية أولى.
وعلى هذا، يحتاج أن ينوي به الرجعة؛ لأن ما كان كناية، تعتبر له النية، ككنايات الطلاق" انتهى.
وينظر: "الإنصاف "(9/ 151).
والحاصل:
أن الجمهور على صحة الرجعة بتزوجتك ، ونكحتك، فتحصل الرجعة بذلك.
وكذا لو عقد عليها بإيجاب وقبول، أو تزوجها في العدة، أو قال: زوجيني نفسك، وهو ناو للرجعة.
فإن كان السؤال عن رجعة حصلت بهذه الكنايات، فيما مضى؛ فنعم، قد صحت الرجعة، كما هو مذهب جمهور أهل العلم.
وإن كان عن رجعة لم تقع بعد، فالمختار له أن يوقعها بلفظ "الرجعة" الصريح، كرجعتك، أو رددتك.
والله أعلم.
تعليق