الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

هل يشرع للإمام إذا نسي أو أخطأ في القراءة أن يتعوذ؟

313137

تاريخ النشر : 04-06-2020

المشاهدات : 7233

السؤال

بعض الأئمة إذا نسي آية أو أخطأ فيها وفتح عليه المصلون تسمعه يتعوذ؛ لأنه قد نسي أو أخطأ، ويتكرر هذا في صلاة التراويح، فهل على هذا الفعل دليل ؟

الجواب

الحمد لله.

لا نعلم دليلا خاصا يدل على أن من نسي شيئا من القرآن الكريم أنه يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما نسي الآية في الصلاة ، ولم يكن يفعل ذلك ، ولا نعلم ذلك عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا السلف الصالح؛ فليس ذلك من السنة المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في ذلك الأمر بخصوصه .

ولكن إذا عرض الشيطان للمصلي في صلاته، ولبسها عليه، أو لبس القراءة عليه، فإنه يشرع له أن يستعيذ بالله منه، كما روى مسلم (2203) : " أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا . قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي  " .

قال النووي رحمه الله : "فِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب التَّعَوُّذ مِنْ الشَّيْطَان عَنْ وَسْوَسَته، مَعَ التَّفْل عَنْ الْيَسَار ثَلَاثًا , وَمَعْنَى ( يَلْبِسهَا ) أَيْ يَخْلِطهَا وَيُشَكِّكنِي فِيهَا , وَمَعْنَى ( حَال بَيْنِي وَبَيْنهَا ) أَيْ نَكَّدَنِي فِيهَا , وَمَنَعَنِي لَذَّتهَا , وَالْفَرَاغ لِلْخُشُوعِ فِيهَا" انتهى .

وقال القاري رحمه الله : " ( يَلْبِسهَا ) أَيْ: يَخْلِطُ، وَيُشَكِّكُنِي فِيهَا، أَيْ: فِي الصَّلَاةِ، أَوِ الْقِرَاءَةِ، أَوْ كُلِّ وَاحِدَةٍ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (1/146) .

وروى مسلم (542)، والنسائي (1215) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : "قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ ثَلَاثًا ، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ . قَالَ :  إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي ، فَقُلْتُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قُلْتُ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ ، وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ  " .

فهذا الحديث يدل على مشروعية الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة ، إذا عرض الشيطان للمصلي .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"فَإِذَا كَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِتُؤْذِيَهُمْ وَتُفْسِدَ عِبَادَتَهُمْ، فَيَدْفَعُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا يُؤَيِّدُ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ، مِنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْعِبَادَةِ وَمِنْ الْجِهَادِ بِالْيَدِ؛ فَكَيْفَ مَنْ هُوَ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ؟" انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/171) .

 وقال ابن رشد: "وسئل مالك عن القارئ إذا أخطأ في الصلاة؛ أيتعوذ، وهو يلَّقن ولا يفقه؟

قال: أرجو أن يكون خفيفا.

فقيل له: يا أبا عبد الله، فإذا لم يستطع أن ينفذ فيها؛ أيركع أم يقرأ سورة غيرها؟

قال: ذلك واسع.

قال ابن القاسم: وأحب إلي أن يبتدئ سورة أخرى.

قال محمد بن رشد: خفف مالك التعوذ للقارئ في الصلاة إذا أخطأ في قراءته؛ لأن ذلك من الشيطان، لما روي: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرض له الشيطان في صلاته فقال: أعوذ بالله منك" انتهى من "البيان والتحصيل" (1/ 246).

فإذا التبست عليه القراءة، ولقّن فلم يتلقن، فهنا يستعيذ.

وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : هل الاستعاذة في كل ركعة أو في الأولى فقط؟

فأجاب: "الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة.

واختلف العلماء - رحمهم الله - هل يستعيد في كل ركعة، أم في الركعة الأولى فقط، بناء على القراءة في الصلاة: هل هي قراءة واحدة، أم لكل ركعة قراءة منفردة؟

والجواب: الذي يظهر لي: أن قراءة الصلاة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إذا حدث ما يوجب الاستعاذة، كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.

فقد روى مسلم أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليَّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً)" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/110).

وأما الاستعاذة لمجرد الخطأ المعتاد، أو ضعف الضبط لما يقرؤه ، أو النسيان، أو إذا فتح عليه المأموم؛ فالذي يظهر أنه غير مشروع؛ لعدم الدليل عليه، ولما فيه من قطع القراءة بالتعوذ.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب