الحمد لله.
الذي يظهر أن ثواب تفطير الصائم: لا ينحصر فيمن أطعم الطعام، وفطر الصائمين من ماله؛ بل إذا أنفق الرجل على ذلك من ماله، وكانت المرأة هي من طبخت الطعام، وأعدته للصائمين: فإن للرجل أجر ما أنفق من ماله ، وسعى على تفطير الصائم ، ويرجى للمرأة من أجر ذلك، أيضا : بما عملت، وتعبت، وأطعمت من صنع يدها.
ويدل لذلك الأحاديث الآتية:
روى البخاري (1425) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ: كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا .
وفي رواية للبخاري (1440) إِذَا أَطْعَمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ: كَانَ لَهَا أَجْرُهَا ، وَلَهُ مِثْلُهُ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ ، لَهُ بِمَا اكْتَسَبَ ، وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ .
فهذا الحديث يدل على أن للمرأة ثواب الصدقة ، وكذلك الخازن ، وإن كان المال هو مال الزوج .
وروى البخاري (1438) ، ومسلم (1023) عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ، وَرُبَّمَا قَالَ: يُعْطِي، مَا أُمِرَ بِهِ، كَامِلًا مُوَفَّرًا ، طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ: أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" :
"قَوْله : ( وَلَهُ مِثْلُهُ ) أَيْ : مِثْل أَجْرِهَا ( وَلِلْخَازِنِ مِثْلَ ذَلِكَ ) ؛ أَيْ : بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى .
وَظَاهِره : يَقْتَضِي تَسَاوِيهِمْ فِي الْأَجْرِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَاد بـ(ِالْمِثْلِ): حُصُول الْأَجْر فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ أَجْر الْكَاسِب أَوْفَر" انتهى .
وقال النووي :
"مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيث: أَنَّ الْمُشَارِك فِي الطَّاعَة، مُشَارِكٌ فِي الْأَجْر .
وَمَعْنَى الْمُشَارَكَة أَنَّ لَهُ أَجْرًا ، كَمَا لِصَاحِبِهِ أَجْر , وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي أَجْره .
وَالْمُرَاد : الْمُشَارَكَة فِي أَصْل الثَّوَاب , فَيَكُون لِهَذَا ثَوَاب، وَلِهَذَا ثَوَاب , وَإِنْ كَانَ أَحَدهمَا أَكْثَر , وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُون مِقْدَار ثَوَابهمَا سَوَاء ؛ بَلْ قَدْ يَكُون ثَوَاب هَذَا أَكْثَر وَقَدْ يَكُون عَكْسه , فَإِذَا أَعْطَى الْمَالِك لِخَازِنِهِ ، أَوْ اِمْرَأَته ، أَوْ غَيْرهمَا ، مِائَة دِرْهَم أَوْ نَحْوهَا ، لِيُوصِلهَا إِلَى مُسْتَحِقّ الصَّدَقَة عَلَى بَاب دَاره ، أَوْ نَحْوه ؛ فَأَجْر الْمَالِك أَكْثَر . وَإِنْ أَعْطَاهُ رُمَّانَة أَوْ رَغِيفًا وَنَحْوهمَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ كَثِير قِيمَة ، لِيَذْهَب بِهِ إِلَى مُحْتَاج فِي مَسَافَة بَعِيدَة ، بِحَيْثُ يُقَابِل مَشْيَ الذَّاهِب إِلَيْهِ بِأُجْرَةٍ تَزِيد عَلَى الرُّمَّانَة وَالرَّغِيف ؛ فَأَجْر الْوَكِيل أَكْثَر , وَقَدْ يَكُون عَمَله قَدْر الرَّغِيف مَثَلًا فَيَكُون مِقْدَار الْأَجْر سَوَاء" انتهى .
وعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ : صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صُنْعِهِ الْخَيْرَ ، وَالرَّامِيَ بِهِ ، وَمُنَبِّلَهُ) .
)وَمُنَبِّلَهُ) أي مناوله لمن يرمي به .
رواه أحمد أبو دواد والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي : حسن صحيح . وحسنه الأرنؤوط في تحقيق المسند (17338) بشواهده .
فيستفاد من هذه الأحاديث : أن المرأة تنال ثواب تفطير الصائم بإعدادها الطعام ، ولزوجها مثله ، بل الذي يقوم بإيصال الطعام إلى الصائم : له ثوابه أيضا ، من غير أن ينقص أحدهم ثواب الآخر .
والله أعلم .
تعليق