الحمد لله.
أولا :
المستحاضة ، ومن به سلس بول : يلزمهما الوضوء لكل صلاة ، وذلك إذا خرج شيء.
فإن لم يخرج منهما شيء : فلا يلزمهما إعادة الوضوء للصلاة الثانية .
قال البهوتي في "الروض المربع" (ص 57) : "( والمستحاضة ، ونحوها ) ممن به سلس بول ، أو مذي أو ريح أو جرح لا يرقأ دمه أو رعاف دائم ... (تتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) ، إن خرج شيء ، (وتصلي) ما دام الوقت ، (فروضا ونوافل) .
فإن لم يخرج شيء : لم يجب الوضوء)" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "( يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة ، إن خرج شيء ، فإن لم يخرج منها شيء بقيت على وضوئها الأول)" انتهى من "الشرح الممتع" (1/438) .
ثانيا :
لا يجب على المستحاضة أن تُدخل قطنة في فرجها لتتفقد الاستحاضة ، لتعلم هل خرج شيء أم لا ؟
لأنها إن أدخلت قطنة وخرجت مبللة ، فإنها بذلك تكون قد نقضت وضوءها ، لأن خروج أي إفرازات من داخل الفرج إلى الظاهر ناقض للوضوء .
والمراد بالظاهر هنا ما يظهر عند قعودها على رجليها .
ولمعرفة هل انتقضت طهارتها أم لا ؟ يكفيها أن تمر قطنة على هذا الموضع الذي يظهر عند القعود ، فإن كان عليها صفرة أو كدرة، فعليها الوضوء ، وإن كانت نظيفة فطهارتها باقية ولها أن تصلي بوضوئها الأول .
وكلام العلماء يدل على هذا :
أن ما خرج من الفرج إلى الظاهر ناقض للوضوء ، وفسروا الظاهر بما سبق بيانه .
قال المرداوي الحنبلي رحمه الله في "الإنصاف" (1/219) :
"فوائد : ... منها : لا يجب غسل ما أمكن من داخل فرج ثيب ، في نجاسة وجنابة ، على الصحيح من المذهب ، نص عليه الإمام أحمد . واختاره المجد وحفيده [يعني : ابن تيمية] وغيرهما .
... قال ابن عقيل وغيره : هو في حكم الباطن .
... قال في الفروع : وعلى ذلك يُخَرَّج إذا خَرَجَ ما احتشته ببلل ، هل ينقض أم لا ؟" انتهى .
يعني : إذ احتشت قطنة في هذا الموضع (داخل الفرج) ، فخرجت مبللة ، فعلى القول بأنه من الباطن انتقضت طهارتها ، وعلى القول بأنه من الظاهر لم تنتقض .
ومذهب الإمام أحمد أنه من الباطن ، كما في كلام المرداوي السابق ، فتنتقض طهارتها بذلك .
وقال النووي الشافعي في "المجموع" (2/129) في آداب الاستنجاء :
"ويلزم الثيب أن توصل الماء إلى ما يظهر عند جلوسها على قدميها ، وإن لم يظهر في حال قيامها .
نص عليه الشافعي والأصحاب ، وشبههه الشافعي بما بين الأصابع ، ولا يبطل صومها بهذا .
قال الروياني : قال أصحابنا : وما وراء هذا فهو في حكم الباطن ، فلا تكلف إيصال الماء إليه ، ويبطل الصوم بالواصل إليه" انتهى .
وكلام النووي موافق لكلام المرداوي في تحديد الظاهر والباطن من الفرج .
وأما إبطال الصيام بوصول الماء إلى باطن الفرج فهو مبني على أن كل ما وصل إلى الجوف فهو مفسد للصيام ، وهي مسألة اجتهادية ، وقد سبق الكلام عليها وبيان الراجح في جواب السؤال رقم : (22959) .
وقال الحطاب المالكي رحمه الله في "مواهب الجليل" (1/327) :
"قال في العارضة: إذا انتقل المني ولم يظهر: لم يوجب غسلا ... لأنه حدث ، فلم تلزم الطهارة إلا بظهوره ، كسائر الأحداث " انتهى .
فيؤخذ من هذا أن الأحداث لا تنقض الطهارة إلا بظهورها .
ثم نقل عن الأُبِّي تفسير المراد بالظهور في حق المرأة ، فقال : "وقال الأُبِّي : ... ولو وصل مني المرأة ، إلى المحل الذي تغسله في الاستنجاء ، وهو ما يظهر عند جلوسها عند قضاء الحاجة : اغتسلت ، والبكر لا يلزمها حتى يبرز عنها " انتهى .
وقال الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/230) وهو يبين نواقض الوضوء ، قال :
"إذا ظهر شيء من البول والغائط على رأس المخرج : انتقضت الطهارة ، لوجود الحدث ، وهو خروج النجس ، وهو انتقاله من الباطن إلى الظاهر ...
وسواء كان الخارج قليلا أو كثيرا ، سال عن رأس المخرج أو لم يسل ..
وكذا دم الحيض والنفاس ، ودم الاستحاضة ؛ لأنها كلها أنجاس ، وقد انتقلت من الباطن إلى الظاهر" انتهى .
فيؤخذ من هذا أيضا : أن دم الاستحاضة ينقض الوضوء ، إذا ظهر على مكان خروجه ، ولا يشترط أن يسيل .
فهذه الأقوال كلها متفقة في بيان معنى ظاهر الفرج وباطنه .
ويترتب على هذا :
أن المستحاضة لا تحتشي بقطنة لتنظر هل خرج شيء أم لا ؟
وفي الوقت ذاته لا تكتفي بمجرد النظر إلى الثياب ، لأنه قد يخرج شيء يسير لا يسيل إلى الثياب .
بل عليها أن تمر قطنة أو نحوها ، على الموضع السابق بيانه ، فإن كانت عليها صفرة أو كدرة فقد خرج شيء ، وانتقض وضوؤها ، وإن كانت نظيفة فطهارتها باقية .
والله أعلم .
تعليق