الحمد لله.
أولا:
إذا تم بيع شقة بالتقسيط لزيدٍ من الناس، لم يجز لكم نقل ملكيتها لأحد غيره، لأنها خرجت بالبيع عن ملككم، فلا تملكون بيعها، ولا فرق بين كون العقد مع المشتري عقدا ابتدائيا أو نهائيا. وبيع ملك الغير جريمة منكرة يعاقب عليها الشرع والقانون.
ثانيا:
الثمن المقسط دين على المشتري، وبيع هذا الدين لغيره فيه تفصيل:
1-أن يباع لغيره بنقود حاضرة أقل، فهذا محرم؛ لأنه بيع نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، فهو جامع لربا الفضل والنسيئة.
وهذا ما يتم في صورة السؤال، أن تباع الأقساط التي على المشترين لمن يسدد بدلها نقودا حاضرة أقل- وليس سلعة كما ظن السائل-. مع تحريم نقل ملكية العمارة كما سبق.
2-أن تباع الأقساط بسلعة حاضرة غير الذهب والفضة، كأن يأتي مشتر فيدفع أرضا أو عمارة لكم، مقابل الأقساط التي على الناس، ثم يتولى هو تحصيل الأقساط، مع بقاء ملكية الشقق لأصحابها.
ففي صحة البيع وجوازه خلاف، والراجح جوازه؛ لعدم اشتراط التقابض ولا التماثل، بين النقود، والأرض أو العمارة، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية وابن القيم.
لكن يشترط لذلك شرطان:
الأول: قدرة باذل السلعة على تحصيل الدين.
الثاني: ألا يربح بائع الدين. فلو كان دينه (100 جنيه) فليس له أن يأخذ سلعة قيمتها أكثر من هذا؛ لئلا يربح فيما لم يضمن؛ لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنُ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ رواه الترمذي (1234) ، وأبو داود (3504) ، والنسائي (4611) ، وصححه الترمذي والألباني.
وله أن يأخذ سلعة قيمتها 100 جنيه أو أقل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان صور بيع الدين:
" الأولى: بيع الدين على الغير، فلا يجوز أن يباع بالدين، بل ولا بالعين على المذهب مطلقاً.
مثال ذلك: إنسان في ذمته لشخص مائة صاع بر، فجعل هذا الرجل يطلبه يقول: أعطني يا فلان، وهو يماطل به، فقيل للرجل الذي له الحق: نعطيك عنها مائة درهم، ونحن نأخذها من المطلوب، فلا يجوز.
حتى وإن كان بعين فإنه لا يجوز، فلو قيل لهذا الرجل الذي له مائة الصاع في ذمة فلان: سوف نعطيك عنها مائة ريال تأخذها نقداً، فإنه لا يجوز؛ لأنه يشبه أن يكون غير مقدور على تسليمه، وإذا كان كذلك، فإنه يكون فيه غرر، إذ إن المطلوب قد يوفي كاملاً، وقد لا يوفي، وقد يوفي ناقصاً، فلا يصح.
لكن لو كان الذي اشترى دَين فلان قادراً على أخذه منه، كرجل له سلطة يستطيع أن يأخذ هذا المال الذي في ذمة الرجل، فالصحيح أنه يجوز وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله؛ لأن العلة في النهي عن بيع ما في الذمم، إنما هي الخوف من الغرر وعدم الاستلام ، فإذا زالت العلة، زال المعلول وزال الحكم، ثم إن عجز عن أخذه فله الفسخ.
وبشرط ألا يربح فيه البائع، بمعنى ألا يبيعه بأكثر من ثمنه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ربح ما لم يضمن، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما.
وبشرط ألا يكون بينهما ربا نسيئة، مثل أن أبيع عليه مائة صاع من التمر في ذمة فلان، بمائة صاع من الشعير، فهذا لا يجوز، لأنه يجري فيه ربا النسيئة، وأنا لم أقبض العوض" انتهى من "الشرح الممتع" (8/ 444).
وقد أخذ بهذا القول مجمع الفقه الإسلامي كما جاء في قراره رقم: 158 (7/ 17) بشأن بيع الدين، ونصه:
" من صور بيع الدين الجائزة:
بيع الدائن دينه لغير المدين في إحدى الصور التالية: ...
(ب) بيع الدين بسلعة معينة.
(ج) بيع الدين بمنفعة عين معينة" انتهى.
والحاصل: أنه لا يجوز نقل الملكية عن المشتري إلى غيره، مطلقا.
وأنه يجوز بيع الأقساط التي على المشترين، بسلعة حاضرة، كأرض أو غيرها، بالشرطين المذكورين.
وأما بيع هذه الأقساط لمن يشتريها بنقود حاضرة (كاش) أقل: فهو محرم جامع بين ربا الفضل والنسيئة.
وكذا لو اشتراها بنقود مؤجلة، وهو من بيع الكالئ بالكالئ، أي الدين بالدين، وهو ربا.
والله أعلم.
تعليق