الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل لها أن تشترط على من يريد الزواج بها طلاق زوجته الكافرة؟

315701

تاريخ النشر : 07-07-2023

المشاهدات : 2102

السؤال

منذ فتره طلبني رجل متزوج من غير مسلمة للزواج، فكان شرطي الوحيد أن أكون زوجته الوحيدة، لكني خفت أن أكون قد ظلمت زوجته، فهل يجوز لي طلب مثل هذا الطلب أم لا؟ ومع العلم إنه قال لي: إنه يريد الزواج من مسلمة مثله، وإنني لست السبب في أنه يريد الطلاق منها.

الجواب

الحمد لله.

إذا كان هذا الرجل مرضي الدين والخلق، جاز لك قبوله.

وأما أن تشترطي طلاق زوجته الكافرة: فالذي ينبغي عليك تركه؛ لما فيه من الظلم لها، والعدوان على حقها، ما دامت هي سبقتك، ونكحته نكاحا شرعيا، مأذونا فيه؛ فلم يكن لك أن تزاحميها فيما قدر لها من السبق إلى حظها من زوجك، ونكاحها لها قبلك.

فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) رواه البخاري (4857)، ومسلم (1413).

والنهي في الحديث معلل بالتسليم للقدر، وأن ما كتب للزوجة الأولى، أو الثانية: سوف يأتيها، فلا تستعجل ما كتب لها بالعدوان على حق غيرها، ولا تستقل ما قدر لها، فترغب في أن تستكثره بنصيب غيرها؛ فإنها لا يأتيها إلا ما قدر الله لها.

قال الخطابي، رحمه الله: "قوله: ( لتستفرغ صحفتها ) : مَثَلٌ؛ يريد بذلك: الاستئثار عليها بحظها؛ فتكون كمن أفرغ صحفة غيره، فكفأ ما في إنائه، فقلبه في إناء نفسه.". انتهى، من "معالم السنن" (3/230).

وقال أبو الوليد الباجي، رحمه الله: وقَوْلُهُ - ﷺ - ( ولِتَنْكِحَ فَإنَّما لَها ما قُدِّرَ لَها ): يُرِيدُ أنَّهُ ما قُدِّرَ لَها أنْ تَنالَهُ، مِن خَيْرِ الزَّوْجِ ونَفَقَتِهِ: لا بُدَّ أنْ تَصِلَ إلَيْهِ، ولا سَبِيلَ إلى الزِّيادَةِ عَلى ذَلِكَ بِفِراقِهِ الزَّوْجَةَ، ولا النَّقْصِ مِنهُ بِإمْساكِهِ لَها.

ويَقْتَضِي ذَلِكَ: أنَّ الرِّزْقَ مُقَدَّرٌ والإجْمالَ فِي الطَّلَبِ مَشْرُوعٌ." انتهى، من "المنتقى شرح الموطأ" (7/207).

وقال ملا علي القاري: " فَإنَّ لَها ما قُدِّرَ لَها) أيْ: لَنْ تَعْدُوَ بِذَلِكَ ما قُسِمَ لَها ولَنْ تَسْتَزِيدَ بِهِ شَيْئًا" انتهى، من "مرقاة المفاتيح" (5/2067).

وإلى ذلك: ذهب جمهور أهل العلم؛ أن المراد بـ"أختها": هنا ضرتها، وسواء في ذلك أكانت مسلمة، أم كافرة – يهودية، أو نصرانية- فإنها زوجة شرعية، لها حق على زوجها، ولها حظ منه، كما للمسلمة. والحديث نبه إلى عدم منازعة المرء في رزقه، بل يسلم ويرضى بما قدر الله له من رزق.

قال ابن الجوزي: وقوله: ( لا تسأل المرأة طلاق أختها )، قال أبو عبيد: تعني بأختها ضرتها". انتهى، من "كشف المشكل" (1/895).

وقال النووي: " والمُرادُ بِأُخْتِها: غَيْرِها؛ سَواءٌ كانَتْ أُخْتَها مِنَ النَّسَبِ، أوْ أُخْتَها فِي الإسْلامِ، أوْ كافِرَةً". انتهى، من "شرح مسلم" (9/193).

وقال العراقي في "طرح التثريب" (7/ 37): "وأما الكافرة فقال والدي - رحمه الله - في شرح الترمذي: ينبغي أن يجري فيها الخلاف في البيع على بيع أخيه؛ فإن الأوزاعي يخصه بالمسلم، وقال به من الشافعية أبو عبيد بن حربويه، ويختاره الخطابي.

ويدل له قوله في رواية ابن حبان في صحيحه في بقية الحديث: (فإن المسلمة أخت المسلمة). ولكن الجمهور هناك على تعميم الحكم وأنه لا فرق بينهما" انتهى.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بـ(أختها) في الحديث: أختها في الإسلام، لا أختها في النسب، لأن ذلك غير متصور في الجمع بينهما، ولا الضرة الكافرة.

قال الخطابي في "شرح البخاري" (2/1328): "وقوله: (وأن تشترط المرأة طلاق أختها)، فإنما يريد ضرتها المسلمة، فهي أختها في الدين، ولم يرد الأخت من قِبَل النسب، لأنه لو أراد أن يجمع بينهما في النكاح لم يحل له ذلك" انتهى.

وقال ابن حجر رحمه الله :"فالمراد هنا بالأخت : الأخت في الدِّين ، ويؤيده زيادة ابن حبان في آخره من طريق أبي كثير عن أبي هريرة بلفظ : (لَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لِتَسْتَفْرِغ صَحْفَتهَا فَإِنَّ الْمُسْلِمَة أُخْت الْمُسْلِمَة)" انتهى من " فتح الباري" (9/220).

وحديث ابن حبَّان صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (2805)، وشعيب الأرنؤوط في "تحقيق ابن حبان" (9/378).

وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم.

ولا شك أن الأحوط والأولى ترك ذلك بكل حال؛ فإنها لو كان لها رخصة في أن تسأل طلاق الزوجة الكافرة، فتركت ذلك إيمانا بالقدر، وتسليما بوعد الله لها بتمام رزقها وحظها المقدر من زوجها، سواء كانت مخلية، أو لها ضرائر؛ لو كان لها رخصة فتركتها، لكان أعظم لها، وأسلم لقلبها ودينها، وأكمل لخلقها، وأبعد لها من شح النفوس.

ولو كان العموم مرادا، كما هو مذهب الجمهور، لكانت قد أوقعت في نفسها فيما نهى الله عنه، ثم لا يأتيها – على كل حال – إلا ما كتب الله لها .

على أن الزيادة المذكورة في الحديث: (فإن المسلمة أخت المسلمة)، والتي احتج بها من خصص الحكم بالمسلمة : في ثبوتها نظر أيضا؛ فقد أخرج الحديث الشيخان وأصحاب السنن من طرق كثيرة عن أبي هريرة، وليس في شيء منها هذه اللفظة، وممن رواه عن أبي هريرة دون ذكرها: (سعيد بن المسيب، والأعرج، وأبو حازم، وأبو سلمة، وأبو الزناد، ومحمد بن سيرين).

وتفرد بذكرها: أبو كثير السُّحيمي، وهو وإن كان ثقة إلا أن تفرده بهذه الجملة دون سائر أصحاب أبي هريرة الثقات العارفين بحديثه والضابطين له يورث الشك في ثبوتها.

فالنصيحة لك، إن ارتضيت دين هذا الخاطب، وشئت أن تنكحيه، أن تدعي ذلك الشرط.

فإن كنت لا تحبين أن تكون لك ضرة، فانكحي غيره من الخاطبين، إذا كان مُخليا، لا زوجة له من قبلك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب