الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

صفة تسوية الصفوف في الصلاة

315742

تاريخ النشر : 27-05-2020

المشاهدات : 27428

السؤال

قرأت فتاوى لديكم بأن تسوية الصفوف إنما تكون بالكعبين، وأنها واجبة، إلا إني أريد أن أسأل سؤالا، وأستشير استشارة . السؤال : عندنا أغلب المساجد صفوفها تسوى اعتمادا على الأصابع وليس الكعب، فهل هذا حرام ؟ وكيف ينكر المنكر حينها ؟ والاستشارة : أردت أن أنكر هذا الأمر فذهبت إلى إمام مسجد وسألته عن كيفية تسوية الصفوف ظنا أنه سيجيب أنها بالكعبين، فإذا به يفتي أنه يجوز بالأصابع؛ لأن أحجام أرجلنا متقاربة، فنادرا ما تجد منكب أحدنا غير ملاصق بمنكب من يجاوره، وهو على الحق، إلا إن الكعب لا يلاصق الكعب، فإن كان يجب علي إنكار هذا المنكر، فهل هذا يكفيني، حيث إني شكرته على إجابته، وانصرفت، وابتديت رضا بالإجابة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن تسوية الصفوف في الصلاة من الأمور الواجبة، واستدلوا على هذا بما ورد من الوعيد على تركها، كما في حديث النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ، قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) رواه البخاري (717)، ومسلم (436).

وينظر جواب السؤال رقم : (36881).

وقد جاء تفسير تسوية الصفوف بأنها تحصل بمحاذاة المناكب والأقدام.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ) رواه البخاري (725).

وهذه صفة متفق عليها بين أهل العلم.

قال ابن القطان الفاسي رحمه الله تعالى:

" وعن أنس قال: ( كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه )، وهذا إجماع " انتهى من "الاقناع" (1 / 150).

ومحاذاة المناكب يلزم منها أن الأقدام يتحاذى منها الأكعب لا أطراف الأصابع؛ لأن الكعب هو الموازي للمنكب وهو الذي يقع في عمود الجسم؛ بخلاف الأصابع فهي متطرفة، وأرجل الناس تختلف طولا وقصرا.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" وتسوية الصف تكون بالتساوي، بحيث لا يتقدم أحد على أحد، وهل المعتبر مقدم الرجل؟

الجواب: المعتبر المناكب في أعلى البدن، والأكعب في أسفل البدن، وهذا عند الاعتدال.

أما إذا كان في الإنسان أحديداب فلا عبرة بالمناكب؛ لأنه لا يمكن أن تتساوى المناكب والأكعب مع الحدب، وإنما اعتبرت الأكعب؛ لأنها في العمود الذي يعتمد عليه البدن، فإن الكعب في أسفل الساق، والساق هو عمود البدن، فكان هذا هو المعتبر.

وأما أطراف الأرجل فليست بمعتبرة؛ وذلك لأن أطراف الأرجل تختلف، فبعض الناس تكون رجله طويلة، وبعضهم قصيرة، فلهذا كان المعتبر الكعب " انتهى من "الشرح الممتع" (3 / 10 - 11).

وقد جاء هذا مصرحا به في حديث النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ، قَالَ: " أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ. ثَلَاثًا، وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).

قَالَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ، وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ )" رواه أبو داود (662)، وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: " إسناده صحيح، وقال النووي: "حديث حسن إسناده جيد".

وقال الحافظ: "حديث صحيح". وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما " انتهى. "صحيح سنن أبي داود" (3 / 236).

ثانيا:

اعتماد كثير من المساجد على تسوية الصفوف بالنظر إلى أطراف الأصابع؛ فهذا ربما أدى إلى تقدم صدور ومناكب بعض المصلين لقصر أرجلهم، وهذا وإن كان مخالفا لهيئة التسوية الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم كما مضى في حديث النعمان بن بشير، إلا أننا لا نقول بتأثيم من صنع هذا؛ لأن الظاهر أنهم يفعلون هذا ظنا منهم أنه يحقق التسوية المطلوبة ، ولم يتعمدوا مخالفة السنة ، ولأن أصل التسوية المأمور به: حاصل بذلك، وإن اختلفت صفته، أو تمامه.

هذا، مع أن جمهور العلماء يرون أن تسوية الصفوف مستحبة وليست واجبة .

ينظر : " الموسوعة الفقهية الكويتية" (11 / 354).

وظاهر السنة يدل على أن المراد تسوية الصفوف التسوية التامة .

روى مسلم (426) عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ ، فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ ، فَقَالَ : (عِبَادَ اللَّهِ ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ)" .

قال النووي رحمه الله :

"قَوْله : ( يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاح ) الْقِدَاح بِكَسْرِ الْقَاف هِيَ خَشَب السِّهَام حِين تُنْحَت وَتُبْرَى، وَاحِدهَا ( قِدْح ) بِكَسْرِ الْقَاف، مَعْنَاهُ يُبَالِغ فِي تَسْوِيَتهَا حَتَّى تَصِير كَأَنَّمَا يَقُوم بِهَا السِّهَام لِشِدَّةِ اِسْتِوَائِهَا وَاعْتِدَالهَا" انتهى .

ونحوه قاله السيوطي في "حاشيته على صحيح مسلم" (2/151) .

ويحسن أن تطلع الإمام بأدب وحكمة على هذه الأحاديث، حتى يكون على بيّنة، وهذا من التواصي بالخير والحق، وليس عليك شيء فوق ذلك، إن شاء الله.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب