الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

المؤاخاة .. فضلها .. حدودها .. نشأتها

316093

تاريخ النشر : 12-10-2019

المشاهدات : 41401

السؤال

أريد ان أعرف ما معنى المؤاخاة تفصيلا ؟ وكيف أختير فلان ليتآخى مع فلان ؟ هل هم يختارون بعضهم البعض أم إن رسول الله يختار أم ماذا ؟ وعلى ماذا يقتضي؟ هل المتآخين شرعا يرثون بعضهم البعض ، ولا يحل لهم الزواج من بنات أو أخوات الشخص المتآخى معه ؟ لأن في حكاية ابنة حمزة رضي الله عنه عندما ذهب الرسول وأصحابه لعمرة القضاء واختلاف علي وجعفر وزيد على من يكفلها ، وقول زيد أنها ابنة أخي ؛ لأن الرسول آخى بينه وبين حمزة ، فهل فعلا يكون محرما لها ؟ وهل هناك من لم يآخي الرسول بينه وبين آخر؟ ومالحكمة من هذا كله ؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: كان " العمل الثاني الذي قام به الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد بنائه المسجد ، هو عقد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وذلك أن المهاجرين لما قدموا المدينة ، لم يكن بأيديهم شيء ، لأنهم تركوا أموالهم خلفهم، فأراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- حل هذه الأزمة المادية التي اجتاحت المهاجرين.

وعقدت المؤاخاة في دار أنس بن مالك - رضي الله عنه - .

وفي رواية أن المؤاخاة عقدت في المسجد .

وكانوا تسعين رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، وقيل كانوا مائة، فآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم على الحق ، والمواساة، ويتوارثون بعد الممات دون ذوي رحم .

روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: ولكل جعلنا موالي، قال -رضي الله عنه-: كان المهاجرون ، لما قدموا المدينة : يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه ، للأخوة التي آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهم، فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت .

قال الحافظ في "الفتح": هكذا وقع في هذه الرواية : أن ناسخ ميراث الحليف هذه الآية ولكل جعلنا موالي. وروى أبو داود في سننه بسند حسن ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال في قوله تعالى: والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ، قال: كان الرجل يحالف الرجل، ليس بينهما نسب، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ ذلك الأنفال، فقال تعالى: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض، ومن طرق شتى عن جماعة من العلماء كذلك، وهذا هو المعتمد.

ويحتمل أن يكون النسخ وقع مرتين: الأولى حيث كان المُعاقد يرث وحده ، دون العصبة ، فنزلت: ولكل جعلنا موالي ، فصاروا جميعا يرثون، وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس.

ثم نسخ ذلك آية الأحزاب، وخص الميراث بالعصبة، وبقي للمعاقد النصر والإرفاد ونحوهما، وعلى هذا يتنزل بقية الآثار".

وقال الإمام السهيلي رحمه الله تعالى: " آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه حين نزلوا المدينة؛ ليذهب عنهم وحشة الغربة ، ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد أزر بعضهم ببعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل، وذهبت الوحشة، أنزل الله سبحانه: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله أعني في الميراث، ثم جعل المؤمنين كلهم إخوة، فقال تعالى: إنما المؤمنون إخوة يعني في التواد وشمول الدعوة".  

وقد شدد الله سبحانه وتعالى عقد نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأحكمه ، بقوله تعالى: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض إلى قوله تعالى: أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم .

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآيات: "ذكر تعالى أصناف المؤمنين، وقسمهم إلى مهاجرين، خرجوا من ديارهم وأموالهم، وجاؤوا لنصر الله ورسوله، وإقامة دينه، وبذلوا أموالهم وأنفسهم في ذلك، وإلى أنصار، وهم المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك، آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم، وواسوهم في أموالهم، ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم، فهؤلاء بعضهم أولى ببعض، أي: كل منهم أحق بالآخر من كل أحد؛ ولهذا آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، كل اثنين أخوان، فكانوا يتوارثون بذلك إرثا مقدما على القرابة، حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث."

ذكر أصحاب المغازي أن المؤاخاة بين الصحابة وقعت مرتين:

* المرة الأولى:

قبل الهجرة ، بين المهاجرين خاصة [يعني: المسلمين من أهل مكة، الذين سيوصفون بعد ذلك بالهجرة] ، على المواساة والنصرة؛ لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى، فآخى بين الأعلى والأدنى ليرتقي الأدنى بالأعلى، ويستعين الأعلى بالأدنى، وبهذا تظهر مؤاخاته -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه-؛ لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا، من قبل البعثة، واستمر إلى ما بعدها، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة؛ لأن زيدا مولاهم، وقد ثبتت أخوتهما في الصحيح وهما من المهاجرين، وأخرج الحاكم في المستدرك، والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن أبي الشعثاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الزبير وابن مسعود وهما من المهاجرين.

* المرة الثانية:

ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد أن هاجر، وذلك بعد قدومه المدينة.

وقد ذكر ابن إسحاق في السيرة، عددا كبيرا ممن آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بينهم، فقال: وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه، من المهاجرين والأنصار فقال - صلى الله عليه وسلم -: " تآخوا في الله ؛ أخوين أخوين " - [ الحديث: ذكره ابن إسحاق بلاغا، كما في "السيرة"، لابن كثير (2/324)، وعنه ابن هشام. وانظر: "جمع الجوامع"، للسيوطي (4/459)، والتعليق عليه] - :

1 - فكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- مع خارجة بن زيد -رضي الله عنه- أخوين.

2 - وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع عتبان بن مالك -رضي الله عنه- أخوين .

3 - وأبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- مع أبي طلحة -رضي الله عنه- أخوين .

4 - وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- مع سعد بن الربيع -رضي الله عنه- أخوين .

5 - وجعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- مع معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أخوين .

6 - ومصعب بن عمير -رضي الله عنه-، مع أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أخوين .

7 - وأبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- مع المنذر بن عمرو -رضي الله عنه- أخوين .

8 - وسلمان الفارسي -رضي الله عنه- مع أبي الدرداء -رضي الله عنه- أخوين .

9 - وطلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- مع كعب بن مالك -رضي الله عنه- أخوين.

10 - والزبير بن العوام -رضي الله عنه- مع سلمة بن سلامة بن وقش -رضي الله عنه- أخوين.

11 - وبلال بن رباح -رضي الله عنه- مع أبي رويحة الخثعمي -رضي الله عنه- أخوين.

وليس معنى هذا أنه لم يكن التآخي إلا بين هؤلاء، وإنما كان هذا أول ما آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، وصار يجددها بحسب من يأتي إلى المدينة مهاجرا، ومن دخل في الإسلام بعد ذلك ، كما قال الحافظ في الفتح ".

انتهى  من "اللؤلؤ المكنون" للعازمي ، (2/ 180 - 187).

وبذلك يعلم أن الميراث كان بين المتآخيين في أول الإسلام ، ثم إن الله تعالى نسخ ذلك ، وبقيت المودة والأخوة العامة ، ولكل منها الحق على أخيه المسلم .

ثانيًا :

من حقوق الأخوة ما ذكره الإمام "ابن جزي" في "القوانين الفقهية" (291) : " حقوق المسلم على المسلم عشرة : أن يسلم عليه إذا لقيه ، ويعوده إذا مرض ، ويجيبه إذا دعاه ، ويشمته إذا عطس ، ويشهد جنازته إذا مات ، ويبر قسمه إذا أقسم ، وينصح له إذا استنصحه ، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ، ويكف عنه شره ما استطاع ، فالمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ، ويبذل له من خيره ما استطاع في دينه ودنياه ، فإن لم يقدر على شيء فكلمة طيبة .

فإن كان من القرابة ، فيزيد على ذلك : حق صلة الرحم بالإحسان ، والزيارة ، وحسن الكلام ، واحتمال الجفاء" انتهى .

وانظر : "الموسوعة الفقهية الكويتية" (33/ 72 - 75).

ثالثًا :

والأخوة معنى جليل نبه على فضله السلف ، فعن مطرف بن عبد اللَّه، قال: " لقاء إخواني أحب إليَّ من لقاء أهلي؛ أهلي يقولون: يا أبي، يا أبي، وإخواني يدعون اللَّه لي بدعوة، أرجو فيها الخير".

"الزهد" للإمام أحمد (ص 296).

وقال أيوب: " إنه ليبلغني موت الرجل من إخواني، فكأنما سقط عضو من أعضائي " .

وقال تعالى: ( وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ) [آل عمران: 103].

قال الزمخشريّ: " كانوا في الجاهلية بينهم الإحن والعداوات والحروب المتواصلة، فألف الله بين قلوبهم بالإسلام، وقذف فيها المحبة، فتحابوا ، وتوافقوا ، وصاروا إخوانا ، متراحمين متناصحين مجتمعين على أمر واحد، قد نظم بينهم ، وأزال الاختلاف، وهو الأخوة في الله "  انتهى من "الكشاف"(1/ 395).

قال الشاعر:

وما المرء إلا بإخوانه ... كما تقبض الكفُّ بالمعصمِ

ولا خير في الكفِّ مقطوعةً ... ولا خير في الساعد الأجذمِ

رابعًا :

هذه بعض المحاضرات " للشيخ محمد صالح المنجد " تفيد في تصور معنى "الأخوة" :

الأخوة في الله

https://almunajjid.com/lectures/lessons/521

لا بد من الأخوة في الله

https://almunajjid.com/speeches/lessons/331

الأخوة في الله والعلاقات الأخرى

https://www.youtube.com/watch?v=lNWy6x0YXAs

وبخصوص الأخت المسلمة، فها هذه المحاضرة :

المسلمة وفريضة الأخوة في الله، للشيخ محمد صالح المنجد

https://almunajjid.com/lectures/lessons/287


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب