السبت 20 جمادى الآخرة 1446 - 21 ديسمبر 2024
العربية

قصة محمد بن هارون البلخي

316526

تاريخ النشر : 28-11-2019

المشاهدات : 50214

السؤال

ما صحة قصة محمد بن هارون البلخي الذي أحرق أمه، أنه عبد الله 40 عاما، ولم يغفر له حتى جاءه مالك بن دينار يقص عليه الرؤيا أن الله قد غفر له ؟

الجواب

الحمد لله.

هذه القصة قال عنها ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وحكاية محمد بن هارون البلخي مشهورة ، وقد رويت من وجوه، وهو أنه كان مصرا على شرب الخمر، فجاء في آخر يوم من شعبان وهو سكران، فعاتبته أمه وهي تسجر تنورا، فحملها فألقاها في التنور ، فاحترقت، وكان بعد ذلك قد تاب وتعبد، فرؤي له في النوم أن الله قد غفر للحاج كلهم سواه " انتهى من "لطائف المعارف" (ص 277).

وقد وقفنا لها على وجهين عند ابن الجوزي في كتابه "البر والصلة".

فساق بسنده عن جَعْفَر بْن أَحْمَد بْنِ زُرَيْقٍ الْأَوَانِيّ، قال: حدثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، قال: حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ زَيْدٍ الْخَطَّابِيُّ، قال: حدثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: " بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَقَدْ أَعْجَبَنِي كَثْرَةُ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِينَ، فَقُلْتُ: يَالَيْتَ شِعْرِي مِنَ الْمَقْبُولِ مِنْهُمْ فَأَهَنِّيهِ، وَمِنَ الْمَرْدُودِ مِنْهُمْ فَأُعَزِّيهِ ...". من "البر والصلة" (ص 113 – 115).

وفي هذا الإسناد من لم نقف له على ترجمة ، ولم نطلع على من وثقه.

كما احتوت هذه القصة على ما يستغرب ، ولا يعقل من تصرفات الناس. كعدم إنقاذ هذه المرأة من التنور ، رغم وجود زوجة الرجل معه في البيت وكانت ترى ما يحصل؛ ورغم ذلك لم تخرجها ، وتركتها إلى أن أصبح الرجل واستيقظ من سكره، وكذا قطع الرجل ليده وتعليقها في عنقه طيلة أربعين سنة، وثقبه لترقوته وإدخال سلسلة فيها.

واحتوت هذه القصة أيضا على ما يعارض الثابت من الكتاب والسنة؛ حيث ورد في القصة أن الله تعالى سيعذب هذا الرجل في النار لمدة ثلاثة أيام رغم توبته؛ ناسبة إلى الله تعالى أنه قال: " آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي لَا يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ عَبْدُ مِنْ عَبِيدِي، وَيَقْتُلُ النَّفْسَ الَّتِي حُرِّمَتْ، إِلَّا أَذَقْتُهُ طَعْمَ النَّارِ، وَلَوْ كَانَ خَلِيلِي إِبْرَاهِيمُ " من "البر والصلة" ( ص 115).

فهذه القصة تزعم أن الله تعالى أقسم ألا يغفر لشارب الخمر ، وقاتل النفس وأنه سيعذب قطعا.

وهذا مخالف لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا   الفرقان/68 - 70.

وراجع للفائدة جواب السؤال رقم:(182945).

وقول الله تعالى:  قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ   الزمر/53 - 54.

وقول الله تعالى:  إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ  النساء/48.

وغير هذا من النصوص الكثيرة.

ثم روى ابن الجوزي هذه القصة من وجه آخر ، وفيه من الرواة من لا يعرف؛ فروى بسنده عن عَطِيَّة بْنُ مَعْرُوفٍ الْوَاسِطِيّ، قال: حدثنا عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مُرَابِطًا، قال: حدثنا سعيد العماني وَكَانَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، قَالَ: " حَجَجْتُ فِي بَعْضِ السِّنِينِ، فَلَمَّا انْقَضَى الْحَجُّ، رَأَيْتُ لَيْلَةَ الرَّؤُسِ بِمِنًى قَائِلًا، يَقُولُ: يَا هَذَا، اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِكُلِّ مَنْ حَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، إِلَّا أَبَا صَالِحٍ الْبَلْخِيُّ ... " انتهى من "البر والصلة" (ص 112 - 113).

فورد فيها أنه قتل أمه طعنا وليس حرقا؛ وأنه كان من أصحاب السلطان له من الجند من يحرسه، وهذا خلاف ما في القصة الأولى أنه تصدق بماله وكان يسكن أماكن الخراب.

فالحاصل؛ أن هذه القصة سندها غير ثابت الصحة؛ ومضطربة المتن، وقد احتوت على ما يستغرب ويستنكر واقعا وشرعا، وهذا من علامات عدم ثبوتها.

فلهذا ينبغي للمسلم أن يعرض عنها وعن نشرها بين الناس؛ وفي ما ورد من نصوص الكتب والسنة من الترهيب من المعاصي كفاية، فعلى المسلم أن يستكثر من مطالعة كتب السنة ككتاب رياض الصالحين، للإمام النووي، وكتاب "الترغيب والترهيب" للمنذري، وقد اجتهد الشيخ الألباني في تمييز صحيحه في كتابه "صحيح الترغيب والترهيب"، وأما قصص الصالحين فلا شك أن لها أثرا في القلوب والنفوس؛ لكن من باب الحذر من الوقوع في الأخطاء الشرعية ينبغي أن يكتفى بما ثبتت صحته؛ ووافق الشرع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب